كتاب الفتاوى الفقهية الكبرى (اسم الجزء: 3)

السَّابِقِ رَدُّهُ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ مَا سَبَقَ فِي التَّيَمُّم، وَالسَّابِق فِيهِ شَيْئَانِ الْحُرْمَةُ وَبُطْلَانُ التَّصَرُّفِ فَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَهُمَا أَوْ الْأَوَّلَ فَقَطْ وَعَلَى كُلٍّ فَجَزْمُ الْمُعْتَرِضِ بِأَنَّهُ أَرَادَ قِيَاسَ مَا سَبَقَ فِي التَّيَمُّم فِي هِبَةِ الْمَاءِ مِنْ الْحُرْمَةِ وَالْبَطَلَانِ فِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ إذْ لَا دَلِيلَ لَهُ عَلَى هَذَا الْجَزْمِ
بَلْ الْحَقُّ أَنَّ كَلَامَهُ مُحْتَمَلٌ فَلَا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ بَلْ قَوْلُهُ بَعْدَهُ فَفِي صِحَّةِ ذَلِكَ نَظَرٌ دَلِيلٌ ظَاهِرٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِالِامْتِنَاعِ فِي مَسْأَلَةِ الْكَفَرَةِ إلَّا الْحُرْمَةَ لِأَنَّ الْمَلْحَظَ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ أَعْنِي مَسْأَلَةَ الْكَفَّارَةِ وَمَسْأَلَةَ الصَّدَقَةِ وَاحِدٌ وَحِينَئِذٍ فَكَيْفَ يُتَوَهَّمُ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّهُ قَائِلٌ فِي مَسْأَلَةِ الْكَفَّارَةِ بِبُطْلَانِ التَّصَرُّفِ وَمُتَرَدِّدٌ فِي الْبُطْلَانِ فِي مَسْأَلَةِ الصَّدَقَةِ إذْ الِاسْتِقْرَاءُ مِنْ صَنِيعِ الْمُؤَلِّفِينَ قَاضٍ بِأَنَّهُمْ إذَا قَالُوا فِي صِحَّةِ كَذَا أَوْ حُرْمَتِهِ أَوْ نَحْو ذَلِكَ نَظَرٌ دَلَّ عَلَى أَنَّهُمْ لَمْ يَرَوْا فِيهِ نَقْلًا وَهَذَا مُؤَيِّدٌ لِمَا قَالَهُ الْفَتَى إنَّهُ نَسِيَ مَا قَدَّمَهُ فِي التَّيَمُّم عَلَى أَنَّهُ لَوْ فُرِضَ أَنَّهُ قَائِلٌ بِبُطْلَانِ تَبَرُّع الْمَدِينِ الَّذِي قَالَ بِهِ الْمُفْتِي وَمَنْ تَبِعَهُ لَمْ يُلْتَفَتْ إلَيْهِ لِمَا مَرَّ مِنْ مُخَالَفَتِهِ لِكَلَامِ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ الْوَاجِبُ عَلَى كُلِّ مَنْ لَمْ يَصِلْ إلَى دَرَجَةِ الِاجْتِهَادِ اتِّبَاعُهُ وَاعْتِمَادُهُ وَبِهَذَا يَتَبَيَّنُ خَطَأُ تَعْبِيرِ الْمُعْتَرِضِ بِقَوْلِهِ فَالصَّوَابُ مَا ذَكَرَهُ فِي الْحَجْرِ وَجَعَلَهُ الْقِيَاسَ وَلَقَدْ وَقَعَ لِلنَّوَوِيِّ مَعَ جَلَالَتِهِ مَا لَا يُقَارِبُ هَذِهِ الْعِبَارَة الشَّنِيعَةَ وَمَعَ ذَلِكَ اعْتَرَضَهُ الْأَذْرَعِيُّ بِأَنَّهُ مَا كَانَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُصَوِّبَ مَا خَالَفَ فِيهِ الشَّافِعِيَّ وَأَصْحَابَهُ بَلْ وَقَعَ لِلْإِمَامِ مَعَ عِظَمِ جَلَالَته أَنَّهُ لَمَّا قَالَ فِي مَسْأَلَةٍ فِي النَّذْرِ عَدَمُ انْعِقَاده عِنْدِي خَطَأٌ اعْتَرَضُوهُ بِأَنَّهُ كَانَ الصَّوَابُ أَنْ لَا يُعَبِّرَ بِالْخَطَإِ كَيْفَ وَعَدَمُ الِانْعِقَادِ هُوَ مَنْصُوصُ الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ قَالُوا وَكَائِنُ عُذْرِهِ أَنَّهُ ظَنَّ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ مُوَلَّدَةٌ لَا مَنْصُوصَةٌ مَنْقُولَةٌ. اهـ.
وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُقَالَ إنَّ هَذَا هُوَ عُذْرُ ذَلِكَ الْمُفْتِي وَقَوْلُهُ وَفَرَّقَ فِي التَّيَمُّم هَذَا الْفَرْق هُوَ الصَّوَابُ الَّذِي يُصَرِّحُ بِهِ كَلَامُهُمْ كَمَا مَرَّ بَسْطُهُ وَإِيضَاحُهُ وَقَوْلُهُ وَنَظَرَ فِيهِ إلَخْ لَا وَجْهَ لِهَذَا النَّظَرِ لِأَنَّ قَوْلَهُ وَقَدْ رَضِيَ بِذَلِكَ الدَّائِن إنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَارِ الْغَالِبِ فِي الدَّيْنِ لَا أَنَّهُ قَيْدٌ فَلَا يُرَدُّ دَيْنُ الْإِتْلَافِ وَقَوْلُهُ وَيَخْدِشُهُ أَيْضًا إلَخْ مَا ذَكَرَهُ فِيهِ مُسَلَّمٌ حُكْمُهُ لِأَنَّهُ مَذْكُورٌ فِي كَلَامِهِمْ فِي التَّيَمُّم لِأَنَّهُمْ لَمَّا قَيَّدُوا تَعَلُّقَ الْحَقُّ بِعَيْنِ الْمَاءِ بِمَا إذَا لَمْ يَحْتَجْ الْمُمَلِّكُ إلَى ثَمَنِ الْمَاءِ وَهَذَا الَّذِي أَبْدَاهُ الْمُعْتَرِضُ وَأَوْهَمَ أَنَّهُ مِنْ عِنْدِيَّاتِهِ الَّتِي يُسَلِّمُهَا الْفَقِيهُ وَلَا يُنْكِرُهَا إلَّا الْجَامِدُ الْمُتَعَسِّفُ احْتَاجَ فِيهِ الْمِلْكُ إلَى ثَمَنِ الْمَاءِ فَمَعَ التَّعَلُّقِ بِالْعَيْنِ بِصَرِيحِ كَلَامِهِمْ كَمَا هُوَ جَلِيٌّ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ وَطَلَبُ الدَّائِنِ بَيْعَهُ قَيْدٌ لَيْسَ فِي مَحَلِّهِ بَلْ وُجُودُ الدَّيْنِ الْمَذْكُورِ مَانِعٌ تَعَلَّقَ حَقُّ الطَّهَارَةِ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَطْلُبْ الدَّائِنُ بَيْعَهُ بَلْ وَلَوْ مُؤَجَّلًا كَمَا صَرَّحُوا بِهِ وَقَوْلُهُ وَلَا يُقَالُ إنَّهُ تَعَيَّنَ لِلطَّهَارَةِ إلَخْ لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ أَبُو زُرْعَةَ وَلَا غَيْرُهُ وَإِنَّمَا الَّذِي قَالُوهُ إنَّ الْحَقَّ فِي مَسْأَلَةِ الْمَاءِ حَيْثُ لَا حَاجَةَ بِالْمُمَلِّكِ إلَى ثَمَنِهِ وَلَا بِالْمُتَمَلِّكِ إلَى عَيْنِهِ لِلْعَطَشِ تَعَلَّقَ بِعَيْنِهِ.
وَفِي مَسْأَلَةِ الصَّدَقَةِ الدَّيْنُ الْمُحَرِّمُ لَهَا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِالْعَيْنِ إذْ لَا حَجْر بَلْ بِالذِّمَّةِ لَا غَيْرُ فَلَمْ يَقْتَضِ بُطْلَان التَّبَرُّعِ هَذَا حَاصِلُ مَا فَرَّقَ بِهِ أَبُو زُرْعَةَ فَالِاعْتِرَاضُ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ لَا يُقَالُ إلَخْ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ وَقَوْلُهُ وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّ الْمُصَحِّحِينَ إلَخْ لَمْ يُعْلَمْ ذَلِكَ بَلْ الْمَعْلُومُ عِنْدَهُ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ الْحَقَّ فِي مَسْأَلَةِ الْمَاءِ مُتَعَلِّقٌ بِالْعَيْنِ وَفِي مَسْأَلَةِ الشَّاشِيِّ مُتَعَلِّقٌ بِالذِّمَّةِ لَا غَيْرُ لِمَا مَرَّ غَيْرَ مَرَّةٍ أَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِالْعَيْنِ إلَّا بِالْحَجْرِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَقَوْلُهُ وَمَنْ نَظَرَ إلَى الْمَعْنَى إلَى قَوْلِهِ وَلَمْ يُرَتِّبْ إلَخْ يُقَالُ عَلَيْهِ هَذَا مِنْ الْعَجِيبِ كَيْفَ وَاَلَّذِي اتَّضَحَ الْقَطْعُ بِهِ مِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ صِحَّةُ تَبَرُّعِ الْمَدِينِ قَبْلَ الْحَجْرِ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَرْجُ وَفَاءً وَقَوْلُهُ إلَى الْمَعْنَى الَّذِي لِأَجْلِهِ امْتَنَعَ التَّبَرُّعُ بِالْمَاءِ أَعْجَبُ لِأَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي فِي الْمَاءِ لَمْ يَمْنَعْ التَّبَرُّعَ بِهِ فَحَسْبُ بَلْ مَنَعَ التَّصَرُّفَ فِيهِ حَتَّى بِالْبَيْعِ وَلَوْ بِأَضْعَافِ قِيمَتِهِ فَعَلِمْنَا بِطَرِيقِ الْقَطْعِ أَنَّ هَذَا الْمَعْنَى غَيْرُ الْمَعْنَى الَّذِي امْتَنَعَ بِهِ تَبَرُّعُ الْمَدِينِ بِالْمَالِ فَتَسْوِيَتُهُ بَيْنَهُمَا وَاسْتِنْتَاجُهُ مِنْ ذَلِكَ ضَعْفَ مَا فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ عَنْ الشَّاشِيِّ.
وَقَوْلُهُ وَلَمْ يُرَتِّبْ فِي صِحَّةِ مَا قُلْنَاهُ إلَخْ كُلُّ ذَلِكَ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ وُضُوحِ الْفَرْقِ بَيْنَ الْمَلْحَظَيْنِ وَأَنَّهُ قَاضٍ بِصِحَّةِ مَا فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَمِنْ أَنَّ بُطْلَانَ تَبَرُّعِ

الصفحة 18