كتاب الفتاوى الفقهية الكبرى (اسم الجزء: 3)
لِمَا أَنَّهُمَا طُهِّرَا مِنْ حُظُوظِ النُّفُوسِ الْمُهْلِكَةِ وَأَهْوِيَتِهَا وَتَحَلِّيًا بِمَعَانِي الْأَخْلَاقِ الْكَرِيمَةِ وَأُمْنِيَّتِهَا
وَكَذَا مِمَّا جَاءَ عَمَّنْ اسْتَمْسَكَ بِهَدْيِهِمَا وَهَدْيِ بَقِيَّةِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ أَدَامَ اللَّهَ عَلَيْهِمْ شَآبِيبَ الرَّحْمَةِ وَالرِّضْوَانِ وَلَقَدْ وَقَعَ لِشَيْخِنَا زَكَرِيَّا سَقَى اللَّهُ ثَرَاهُ فِي مَسْأَلَةٍ فِي الْوَقْفِ أَنَّهُ وَبَعْضَ الْحَنَفِيَّةِ تَجَاذَبَ فِيهَا أَنْظَارَهُمَا وَتَكَرَّرَتْ فِي أَحْوَالِهَا فَتَاوِيهِمَا مَعَ الْإِغْلَاظِ مِنْ كُلٍّ فِي الرَّدِّ عَلَى الْآخَرِ لَكِنْ بِمَا لَيْسَ الْمَقْصُودُ مِنْهُ إلَّا بَيَان الْحَقِّ مَعَ صَفَاءِ الْخَاطِرِ وَصَلَاحِ الْبَاطِنِ وَالظَّاهِرِ بِدَلِيلِ بَقَاءِ مَحَبَّتِهِمَا عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ وَمَزِيد مُوَاصَلَةِ كُلٍّ لِلْآخَرِ بِالثَّنَاءِ وَالتَّرَدُّدِ إلَيْهِ هَذَا مَعَ أَنَّ شَيْخَنَا كَانَ لَهُ فِي تَحَمُّلِ الرَّدِّ وَأَذَى مُعَاصِرِيهِ الْقَدَمُ الرَّاسِخُ وَإِيصَالُ قَاطِعِيهِ الطَّوْدُ الشَّامِخُ وَمِنْ ثَمَّ أَظْهَرَهُ اللَّه ظُهُورًا لَمْ يَنَالُوهُ وَأَبْقَى لَهُ مِنْ الْآثَارِ الْحَمِيدَةِ وَالتَّآلِيفِ الْفَرِيدَةِ مَا لَمْ يُؤَمِّلُوهُ حَقَّقَ اللَّهُ لَنَا اقْتِفَاءَ تِلْكَ الْآثَارِ وَأَجَارَنَا مِنْ الْفِتَنِ وَالْمِحَنِ وَسَائِرِ الْآضَارِ إنَّهُ الْكَرِيمُ الْغَفَّارُ الْحَلِيمُ السَّتَّارُ بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ آمِينَ مُتَمَثِّلًا بِمَا دَعَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِقَائِلِهِ إنَّ اللَّهَ - هُنَا بَيَاضٌ بِالْأَصْلِ -
وَلَا خَيْرَ فِي حِلْمٍ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ ... بَوَادِرُ تَحْمِي صَفْوَهُ أَنْ يُكَدَّرَا
وَلَا خَيْرَ فِي جَهْلٍ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ ... حَلِيمٌ إذَا مَا أَوْرَدَ الْقَوْم أَصْدَرَا
وَمَا أَحْسَنَ قَوْلَ ابْنِ عَبَّاسٍ لِابْنِ الزُّبَيْرِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - لَمَّا أَرَادَ الْخِلَافَةَ وَقَدْ خُلِّيَتْ الدَّارُ مُتَمَثِّلًا
يَا لَك مِنْ قُبُّرَةٍ بِمَعْمَرِ ... خَلَا لَكِ الْبَرُّ فَبِيضِي وَاصْفِرِي
وَنَقِّرِي مَا شِئْت أَنْ تُنَقِّرِي ... صَنَادِدُ الْبُومِ عَلَيْك تَجْتَرِي
وَمُصَنَّفَاتُهُ تِلْكَ قِسْمَانِ أَكْثَرُهَا تَكْرِيرٌ لِمَا مَرَّ فِي كِتَابِهِ الْأَوَّلِ الَّذِي رَدَدْته وَنَقَدَتْهُ فَلَمْ أَرَهُ إلَّا زَيْفًا وَحِرَافًا وَحَيْفًا وَهَذَا الْقِسْمُ لَا أَتَعَرَّضُ لَهُ إلَّا نَادِرًا وَالْقِسْمُ الثَّانِي اشْتَمَلَ إمَّا عَلَى بُهْت يَخْتَرِعُهُ اخْتِرَاعًا قَبِيحًا ثُمَّ يُرَتِّبُ عَلَيْهِ مَا ظَنَّ أَنَّهُ لَا يُكْشَفُ كَشْفًا صَرِيحًا وَإِمَّا عَلَى عَدَمِ فَهْمٍ وَتَصَوُّرٍ لَمَا يَعْتَرِضُهُ وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ يَتَخَيَّلُ أَنَّهُ يَرُدُّهُ وَيَنْقُضُهُ وَهَذَا الْقِسْمُ هُوَ الَّذِي أَتَعَرَّضُ لَهُ بِحَيْثُ لَا يَخْفَى عَلَى صِغَارِ الطَّلَبَةِ فَضْلًا عَنْ الْفُضَلَاءِ وَالْأَئِمَّةِ النُّبَلَاءِ لِمَا آتِي بِبَسْطِ الْكَلَامِ عَلَيْهِ وَأُبَيِّنُ عَوَارَهُ فِي الْأَكْثَرِ
وَأُقِيمُ عَلَى ذَلِكَ الْبَرَاهِينَ الصَّحِيحَةَ الَّتِي هِيَ مِنْ الشَّمْسِ أَظْهَرُ وَمَجْمُوعُ ذَلِكَ فِي مَوَاضِعَ تَبْلُغُ اثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ مَوْضِعًا الْأَوَّلُ تَعَجُّبٌ بِحَسَبِ مَا حَرَّفَهُ فَهْمُهُ مِنْ رَدِيءٍ لِتَخْرِيجِ ابْنِ الرِّفْعَةِ مَعَ جَرَيَانِي فِي كُتُبِي عَلَيْهِ وَبِفَرْضِ صِحَّةِ ذَلِكَ أَيُّ تَعَجُّبٍ فِيهِ مَعَ أَنَّ مَنْ لَهُ أَدْنَى مُمَارَسَةٍ بِكُتُبِ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ يَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقَعُ لَهُمْ كَثِيرًا أَنَّهُمْ يُخَالِفُونَ فِي فَتَاوِيهِمْ مَا فِي مُؤَلِّفَاتِهِمْ وَفِي بَعْضِ مُؤَلِّفَاتِهِمْ مَا فِي بَقِيَّتهَا فَلَا تَعْجَبْ مِنْ ذَلِكَ بِوَجْهٍ وَإِنَّمَا قَصْدُهُ مِنْ نَحْوِ هَذِهِ الْعِبَارَةِ إيهَامُ الْأَغْبِيَاءِ مِثْلِهِ أَنَّ هَذَا تَنَاقُضٌ قَادِحٌ مُخِلٌّ وَلَيْسَ كَذَلِكَ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى أَدْنَى مُتَعَلِّمٍ عَلَى أَنَّ قَوْلِي قَضِيَّةُ تَخْرِيجِ ابْنِ الرِّفْعَةِ كَذَا لَا يَقْتَضِي أَنِّي مُرْتَضِيهِ أَوْ مُعْتَمِدُهُ فَكَمْ مِنْ مِثْلِ هَذِهِ الْعِبَارَةِ يَذْكُرُونَهَا وَيَسْكُتُونَ عَلَيْهَا وَلَا تَكُونُ مُعْتَمَدَةً لَا يُنْكِرُ ذَلِكَ إلَّا جَاهِلٌ مُبْتَدِعٌ لَا مُسْتَقِرٍّ وَلَا مُتَتَبِّعٌ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ اعْتِمَادِي لِأَصْلِ التَّخْرِيجِ أَنِّي فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ الْكَبِيرِ قَصَرْته عَلَى الصَّدَقَةِ وَفَرَّقْت بَيْنَهَا وَبَيْنَ نَحْوِ الْهِبَةِ بِمَا مَرَّ الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي قُرَّةِ الْعَيْنِ مَعَ بَيَانِ غَلَطِ هَذَا الْعَنِيدِ فِيمَا وَقَعَ لَهُ فِي ذَلِكَ وَيَأْتِي تَكْرِيرُهُ كَذَلِكَ وَتَكْرِيرُنَا لِرَدِّهِ آخِرَ الْكِتَابِ وَلَقَدْ قَالَ فِي الْمَطْلَبِ فِي التَّفْلِيسِ بَعْدَ كَلَامٍ سَاقَهُ نَعَمْ اسْتِيلَاده أَيْ الْمُفْلِس هَلْ يَنْفُذُ ذَكَرْت فِي الْكِفَايَةِ شَيْئًا لَمْ أَرْضَهُ الْآن فَإِنَّ الَّذِي يَظْهَرُ نُفُوذُهُ بِكُلِّ حَالٍ الْمَوْضِعُ الثَّانِي مِنْ تِلْكَ الْقَبَائِحِ قَوْلُهُ كَيْفَ وَقَدْ أَطْبَقَ عَلَى حُكْمِهَا الْمُتَأَخِّرُونَ إلَّا مَنْ شَذَّ فَهِيَ مِنْ مَنْقُولِ الْمَذْهَبِ هَذَا مِنْ أَوَّلِ شَقَاشِقِهِ وَافْتِرَائِهِ الَّتِي قَدَّمْنَا فِي الْقُرَّةِ بُطْلَانَهَا بِالنُّصُوصِ الصَّرِيحَةِ مِنْ كَلَامِ الشَّاشِيِّ وَالْأَصْحَابِ عَلَى أَنَّ أَكْثَرَهُمْ إنَّمَا عَبَّرُوا بِقَوْلِهِمْ وَقَضِيَّةُ كَذَا وَهَذَا لَا يَقْتَضِي اعْتِمَادَهُ لِأَمْرَيْنِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ قَضِيَّتَهُ وَعَلَيْهَا يُحْتَمَل أَرَادَهَا وَأَنَّ لَا وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ سُكُوتَهُمْ عَلَيْهَا لَا يَقْتَضِي أَنَّهُمْ يُوَافِقُونَهُ عَلَيْهَا لَوْ فُرِضَ أَنَّهُ أَرَادَهَا وَمَنْ
الصفحة 27
378