كتاب الفتاوى الفقهية الكبرى (اسم الجزء: 3)

وَأَنَّى لَهُ بِغَوْصٍ عَلَى مَعْنًى دَقِيقٍ وَغَوْصٍ فِي أَدْنَى تَحْقِيقٍ وَإِنَّمَا هُوَ يُلَفِّقُ الْأَلْفَاظَ لَا يَدْرِي مَا تُؤَدِّي إلَيْهِ وَلَا مَا يُحِيطُ أَمْرُهَا عَلَيْهِ كَيْفَ وَقَدْ قَالَ لَيْسَ الْفِقْهُ إلَّا الْفَرْقَ وَالْجَمْعَ فَهُمَا مُهْلِكَانِ انْقَطَعَتْ فِيهِمَا أَعْنَاق أَمْثَالِهِ وَشَامِخَاتٌ أَعْيَتْ عَنْ الرُّقِيِّ إلَيْهَا أَطْمَاعُ آمَالِهِ وَمِنْ تَمَامِ خَبَالِهِ زَعْمُهُ أَنَّ الطَّهَارَةَ مُتَعَلِّقَةٌ بِالذِّمَّةِ النَّاشِئُ عَنْ عَدَمِ فَهْمِ مَعْنَى التَّعَلُّقِ بِالذِّمَّةِ وَكَيْفِ يُتَعَقَّلُ تَعَلُّقُ الطَّهَارَةِ بِالذِّمَّةِ الَّتِي هِيَ اصْطِلَاحًا مَعْنًى اعْتِبَارِيٌّ يَنْشَأُ عَنْهُ الْإِلْزَامُ وَالِالْتِزَامُ قَائِمٌ بِالْإِنْسَانِ حَيًّا كَانَ أَوْ مَيِّتًا لِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ بِالطَّهَارَةِ مَدْلُولَهَا الْمَجَازِيَّ وَهُوَ الْأَفْعَالُ الْحِسِّيَّةُ فَتَعَلُّقُ هَذِهِ الْأَفْعَالِ بِذَلِكَ الْمَعْنَى الِاعْتِبَارِيِّ عَلَى جِهَةِ قِيَامِ أَحَدِهِمَا بِالْآخِرِ غَيْرَ مُتَعَقَّلٍ لِبُعْدِ مَا بَيْنَهُمَا مِنْ الْقِيَاسِ أَوْ مَدْلُولِهَا الْحَقِيقِيِّ وَهُوَ زَوَالُ الْمَنْعِ لَمْ يَصِحَّ ذَلِكَ أَيْضًا
لِأَنَّ هَذَا إنَّمَا يُوجَدُ بَعْدَ اسْتِعْمَالِهِ فِي تِلْكَ الْأَفْعَالِ وَبِاسْتِعْمَالِهِ فِيهَا يَزُولُ التَّعَلُّقُ فَتَوَقُّفُ التَّعَلُّقِ بِالذِّمَّةِ عَلَى الِاسْتِعْمَالِ لِاسْتِحَالَةِ وُجُودِهِ قَبْلَهُ نَاشِئٌ عَنْ عَدَمِ تَصَوُّرِهِ لِمَا يَقُولُ وَإِلَّا لَمْ يَأْتِ بِهَذِهِ الْفَضَائِحِ الَّتِي سَوَّدَتْ ذِهْنَ مُخْتَرِعِهَا وَتَحَقَّقَ قُصُورُ مُخْتَرِعِهَا الْمَوْضِعُ الْخَامِسُ وَمِنْ فَضَائِحِهِ أَيْضًا قَوْلُهُ وَمِثْلُهُ تَعَلُّقُ الزَّكَاةِ إلَخْ وَهَذَا يُنْبِئُ عَنْ أَنَّهُ لَا يَفْهَمُ فَرْقًا بَيْنَ الْعِبَادَةِ الْبَدَنِيَّةِ الْمَحْضَةِ وَالْمَالِيَّةِ الْمَحْضَةِ وَالْمُرَكَّبَةِ مِنْهُمَا وَالزَّكَاةُ مِنْ الْقِسْمِ الثَّانِي وَهُوَ تَارَةً يَتَعَلَّقُ بِالْعَيْنِ وَتَارَةً بِالذِّمَّةِ بِخِلَافِ الطَّهَارَةِ فَإِنَّهَا مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ وَهُوَ لَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ التَّعَلُّقُ بِالذِّمَّةِ كَمَا هُوَ وَاضِحٌ لِأَدْنَى الطَّلَبَةِ وَمِنْ ثَمَّ لَمْ تُفْعَلْ عَنْ الْغَيْرِ بِإِذْنٍ وَلَا غَيْرِهِ وَلَا يَرِدُ الصَّوْمُ لِأَنَّ لِلْمَالِ دَخْلًا فِيهِ بِالنَّصِّ فَهُوَ كَالْحَجِّ وَإِنْ فَارَقَهُ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى هِيَ فِعْلُ الْأَجْنَبِيِّ لَهُ عَنْ الْمَيِّتِ بِلَا إذْنِ أَحَدٍ بِخِلَافِ الصَّوْمِ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ إذْنِ الْقَرِيبِ وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ الْمَالَ مُتَأَصِّلٌ فِي الْحَجِّ أَكْثَرَ مِنْ تَأَصُّلِهِ فِي الصَّوْمِ فَسُومِحَ فِي سُقُوطِ الْحَجِّ عَنْ الذِّمَّةِ بِمَا لَمْ يُسَامَحْ بِهِ فِي سُقُوطِ الصَّوْمِ نَظَرًا لِمَا فِي الْحَجِّ مِنْ شَائِبَةِ الْمَالِ السَّابِقَةِ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ فَإِنَّ مِثْلَ هَذَا الْمُشَقْشِقِ لَا يَقْبَلُ طَبْعُهُ الْخَوْضَ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الدَّقَائِقِ وَأَنَّى لَهُ بِذَلِكَ وَهُوَ يَسْتَدِلُّ عَلَى تَعَلُّقِ الطَّهَارَةِ بِالذِّمَّةِ أَيْضًا بِتَعَلُّقِ الزَّكَاةِ بِالذِّمَّةِ وَلَمْ يَتَعَقَّلْ مَا بَيْنَهُمَا إيثَارًا لِلرَّجْمِ بِالْغَيْبِ الَّذِي وَقَعَ بِهِ فِي هُوَّةِ الشَّطَطِ وَلَا مَنِيَّتَهُ لِأَبْعَدِ الضَّلَالِ وَأَقْبَحِ الْغَلَطِ عَلَى أَنَّ كَلَامَهُ إنَّمَا هُوَ فِي تَعَلُّقِ الطَّهَارَةِ بِالْعَيْنِ وَالذِّمَّةِ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ
وَلَيْسَتْ الزَّكَاةُ كَذَلِكَ وَإِنَّمَا تَارَةً تَتَعَلَّقُ بِالْعَيْنِ وَتَارَةً تَتَعَلَّقُ بِالذِّمَّةِ وَأَمَّا تَعَلُّقُهَا بِهِمَا فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ الَّذِي أَفْهَمَهُ كَلَامُهُ فَهُوَ مِنْ فَرَطَاتِهِ الْقَبِيحَةِ أَيْضًا الْمَوْضِعُ السَّادِسُ مِنْ تِلْكَ الْقَبَائِحِ أَيْضًا قَوْلُهُ بَعْدَ كَلَامٍ طَوَّلَهُ هُنَا وَبَالَغْت فِي رَدِّهِ عَلَيْهِ فِي الْقُرَّةِ وَأَمَّا الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَيْ هِبَةِ الْمَاءِ وَهِبَةِ الدَّيْنِ فَلَا مَعْنَى لَهُ إذْ التَّعَيُّنُ فِيهِمَا عَلَى حَدٍّ سَوَاءَ إمَّا صِحَّةً وَإِمَّا بُطْلَانًا. اهـ. وَتَصْمِيمُهُ عَلَى هَذِهِ الْمَرَاتِبِ الْمَذْكُورَةِ بَعْدَ مَا قَرَّرْتُهُ لَهُ مِنْ الْفَرْقِ الْوَاضِحِ الْمُعْتَرِف هُوَ بِهِ مِنْ أَنَّ الْمَاءَ حُظِرَ فِيهِ إخْرَاجُهُ عَنْ الْمِلْكِ وَلَوْ بِأَضْعَافِ الْقِيمَةِ وَالدَّيْنُ لَمْ يُحْظَرْ عَلَيْهِ إلَّا الْإِخْرَاجُ الَّذِي فِيهِ تَبَرُّعٌ لَا غَيْرُ يَزِيدُك فِيهِ بَصِيرَةً أَنَّهُ فِي غَايَةٍ مِنْ الْبَلَادَةَ وَالْعِنَادِ مَا مَثَلُهُ فِي ذَلِكَ إلَّا مَثَل رَجُلٍ تَقُولُ لَهُ هَذِهِ الشَّمْسُ تُشِيرُ إلَيْهَا لَيْسَ دُونَهَا سَحَابٌ فَيَقُولُ لَك لَيْسَ فِي السَّمَاءِ شَمْسٌ أَصْلًا فَيُعْلَمَ حِينَئِذٍ أَنَّهُ سَفْسَطِيٌّ عِنَادِيٌّ لَيْسَ دَوَاؤُهُ إلَّا أَنْ يُوقَدَ عَلَيْهِ نَار الْأَدِلَّةِ الْيَقِينِيَّةِ إلَى أَنْ يَعْتَرِفَ أَوْ يَحْتَرِقَ وَبِهَذَا الْفَرْقِ الظَّاهِرِ يَبْطُلُ مَا فَرَّعَهُ عَلَيْهِ وَتَذْيِيلُهُ تَكْرَارٌ لِمَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ وَقَدْ بَالَغْت فِي الْقُرَّةِ فِي تَزْيِيفِ جَمِيعِ مَا أَبْدَاهُ مِمَّا لَمْ يُدْرِكْ فَحْوَاهُ فَضْلًا عَنْ مَغْذَاهُ وَكَيْفَ لَا وَهُوَ بَعْدَ اطِّلَاعِهِ عَلَى ذَلِكَ الْفَرْقِ الْوَاضِحِ يَزْدَادُ فِي تَكْرِيرِ سَفْسَطَتِهِ وَعِنَادِهِ وَفَضِيحَتِهِ فِي إصْدَارِهِ وَإِيرَادِهِ فَيَجْعَلُ الْمَسْأَلَتَيْنِ مُتَّحِدَتَيْنِ وَيَجْعَلُ الْعِلَّةَ حُرْمَةَ التَّسْلِيمِ فِيهِمَا قَالَ فَيَتَّحِدَانِ فِي الْبُطْلَانِ وَالشَّاشِيُّ قَائِلٌ بِالصِّحَّةِ فِي كُلٍّ وَالْعِلَّةُ عِنْدَهُ أَنَّ التَّحْرِيمَ لَا يَرْجِعُ لِمَعْنًى فِي الْعَقْدِ وَهَذَا بَاطِلٌ كَمَا عُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ وَجَعْلُ حُرْمَةِ التَّسْلِيمِ بِمُجَرَّدِهَا عِلَّةً غَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّهُ أَمْرٌ عَامٌّ
وَإِنَّمَا النَّظَرُ لَيْسَتْ هَذِهِ الْحُرْمَة وَهُوَ فِي هِبَتِهِ الْمَاءَ ذَاتِيٌّ لِأَنَّهُ يَرْجِعُ لِمَعْنًى فِي ذَاتِ الْعَاقِدِ وَهُوَ عَجْزُهُ عَنْ تَسْلِيمه شَرْعًا وَمِنْ ثَمَّ لَمْ يَتَقَيَّدْ بِالتَّبَرُّعِ وَفِي هِبَةِ الْمَدِينِ عَرْضِيٌّ لِأَنَّهُ

الصفحة 29