كتاب الفتاوى الفقهية الكبرى (اسم الجزء: 3)

لَا يَرْجِعُ لِمَعْنًى كَذَلِكَ وَمِنْ ثَمَّ تَقَيَّدَ التَّحْرِيمُ بِالتَّبَرُّعِ لَا غَيْرُ الْمَوْضِعُ السَّابِعُ قَوْلُهُ تَخْرِيجُ ابْنِ الرِّفْعَةِ حُكْمَ مَسْأَلَةِ الدَّيْنِ عَلَى هِبَةِ الْمَاءِ تَخْرِيجٌ أَوْلَوِيٌّ حَقٌّ. اهـ. وَهَذَا مِنْ زِيَادَةِ شَقْشَقَتِهِ أَيْضًا لِمَا بَيَّنْته وَوَضَّحْته فِي الْقُرَّةِ مِنْ أَنَّهُ لَا يُسَاوِي مِدَادَهُ عَلَى أَنَّ ابْنَ الرِّفْعَةِ لَمْ يُخَرِّجْ الْحُكْمَ خِلَافًا لِمَا افْتَرَاهُ هَذَا الْعَنِيدُ وَإِنَّمَا خَرَّجَ الْخِلَافَ وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ التَّرْجِيحُ كَمَا مَرَّ بَسْطُهُ فِي الْقُرَّةِ ثُمَّ قَالَ عَنْ كَلَامِي فِي الْقُرَّةِ وَقَوْلُهُ إنَّ فِي الرِّشْوَةِ إكْرَاهًا مُجَرَّدُ دَعْوَى إذْ لَوْ كَانَ فِيهَا إكْرَاهٌ لِمَا أَشْبَهَ الْخِلَافَ فِي هِبَةِ الْمَاءِ إذْ لَيْسَ فِيهِ فِي هِبَةِ الْمَاءِ إكْرَاهٌ. اهـ.
وَهَذَا أَيْضًا مِمَّا يَزِيدُ بَصِيرَتَك فِيهِ أَنَّهُ رَدِيءُ الْفَهْمِ فَاسِدُ التَّصَوُّرِ وَبَيَانُهُ أَنَّهُ لَمْ يَفْهَمْ مَعْنَى الْإِكْرَاهِ وَلَا وَجْهَ ذِكْرِهِ وَعِبَارَتِي وَمَسْأَلَةُ الرِّشْوَةِ مِنْ قَبِيلِ الْأَوْلَى أَيْ هِبَة الْمَاءِ فَحُرْمَتُهَا ذَاتِيَّةٌ لِأَنَّ حَقَّ الْمَالِكِ مُتَعَلِّقٌ بِعَيْنِهَا وَإِخْرَاجُهَا مِنْ يَدِهِ إنَّمَا هُوَ كَرْهٌ عَلَيْهِ فَلَمْ يَخْرُجْ عَنْ مِلْكِهِ بِذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَعْصِ الْمُعْطِي لِإِرْشَائِهِ عَلَى وُصُولِهِ لِحَقِّهِ انْتَهَتْ وَاعْتِرَاضُهُ هَذِهِ الْعِبَارَةَ بِمَا ذَكَرَهُ مَعْذُورٌ فِيهِ فَإِنَّهُ لَمْ يَفْهَمْهَا وَلَا أَدْرَكَ شَيْئًا مِمَّا انْطَوَتْ عَلَيْهِ وَبَيَانُهَا أَنَّهُمْ لَمَّا صَرَّحُوا بِأَنَّ الْمُرْتَشِيَ لَا يَمْلِكُ الرِّشْوَةَ سَوَاءٌ أَثِمَ الرَّاشِي أَمْ لَا أَشْكَلَ ذَلِكَ عَلَى تَعْلِيلِهِمْ الْبُطْلَانَ فِي هِبَةِ الْمَاءِ بِحُرْمَةِ التَّسْلِيمِ.
وَوَجْهُ الْإِشْكَالِ أَنَّ التَّسْلِيمَ فِي مَسْأَلَةِ الْإِثْمِ بَاطِلٌ لِمَعْنَيَيْنِ ذَاتِيَّيْنِ هُمَا حُرْمَةُ التَّسْلِيمِ وَالْإِكْرَاهِ الْمَعْنَوِيّ وَبِحَقٍّ لِلْمَعْنَى الثَّانِي فَقَطْ وَهُوَ بِمُفْرَدِهِ مُقْتَضٍ لِلْإِبْطَالِ أَلَا تَرَى إلَى حِكَايَةِ الْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّ مَنْ أُخِذَ مِنْهُ شَيْءٌ عَلَى سَبِيلِ الْحَيَاءِ مِنْ غَيْرِ رِضَا مِنْهُ بِذَلِكَ لَا يَمْلِكُهُ الْآخِذُ وَعَلَّلُوهُ بِأَنَّ فِيهِ إكْرَاهًا بِسَيْفِ الْحَيَاءِ فَهُوَ كَالْإِكْرَاهِ بِالسَّيْفِ الْحِسِّيِّ بَلْ كَثِيرُونَ يُقَابِلُونَ هَذَا السَّيْفَ وَيَتَحَمَّلُونَ مِرَارَ جُرْحَهُ وَلَا يُقَابِلُونَ الْأَوَّلَ خَوْفًا عَلَى مُرُوءَتِهِمْ وَوَجَاهَتِهِمْ الَّتِي يُؤْثِرُهَا الْعُقَلَاءُ وَيَخَافُونَ عَلَيْهَا أَتَمَّ الْخَوْفِ وَلَا شَكَّ أَنَّ لِلرَّاشِي بِحَقٍّ أَنْ يُخْرِجَ مَالَهُ عَنْ مِلْكِهِ بِرِضَاهُ أَلْبَتَّةَ وَإِنَّمَا اضْطَرَّهُ الْمُرْتَشِي إلَى إعْطَائِهِ مَالَهُ كُرْهًا عَلَيْهِ إذْ الْغَرَضُ أَنَّهُ لَوْلَا إعْطَاؤُهُ لَمَا حَكَمَ لَهُ بِحَقِّهِ فَعَلِمْنَا أَنَّ عَدَمَ الْمِلْكِ فِي الرِّشْوَةِ إمَّا لِذَاتِيَّيْنِ أَوْ ذَاتِيٍّ وَاحِدٍ وَوَجْهُ كَوْنِ الْإِكْرَاهِ ذَاتِيًّا أَنَّهُمْ صَرَّحُوا بِأَنَّ الذَّاتِيَّ هُوَ مَا رَجَعَ لِمَعْنًى فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ أَوْ فِي الْعَاقِدِ وَالْإِكْرَاهُ مَعْنًى رَجَعَ فِي الْعَاقِدِ فَكَانَ ذَاتِيًّا فَتَأَمَّلْ هَذَا التَّحْقِيقَ الْمُشْتَمِلَةَ عَلَيْهِ تِلْكَ الْعِبَارَةُ تَعْلَمْ أَنَّ سَبَبَ اعْتِرَاضِهَا عَمَى الْبَصِيرَةِ وَالِارْتِبَاك فِي مُهَاوِي الْهَذَيَانِ وَالْحِيرَةِ الْمَوْضِعُ الثَّامِنُ ثُمَّ قَالَ اعْتِرَاضًا عَلَيَّ وَمِمَّا قَالَ الْمُتَجَلِّي مِنْ الْفُرُوقِ إنَّ مَسْأَلَةَ هِبَةِ الْمَدِينِ حَيْثُ لَا يَرْجُو الْوَفَاءَ فِيهَا خِلَافٌ فِي الْجَوَازِ وَعَدَمِهِ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْمَاءِ فَإِنَّ التَّحْرِيمَ فِيهَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ إلَى أَنْ قَالَ فَكَيْفَ مَعَ ذَلِكَ يَأْتِي الذَّمُّ بِبُطْلَانِ الصَّدَقَةِ مَعَ الْخِلَافِ فِي حُرْمَتِهَا وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ صَدَرَ مِنْ غَيْرِ إعْطَاءِ الْمَسْأَلَةِ حَقِّهَا مِنْ التَّأَمُّلِ.
فَإِنَّ النَّوَوِيَّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ رَفَعَ الْخِلَافَ بِحَمَلَةِ الْإِطْلَاقَ عَلَى التَّفْصِيلِ الَّذِي ذَكَرَهُ أَنَّ حَاصِلَهُ الِاتِّفَاقُ عَلَى التَّحْرِيمِ حَيْثُ لَا يَرْجُو الْوَفَاءَ كَمَا أَنَّ حَاصِلَهُ الِاتِّفَاقُ عَلَى الْجَوَازِ فِيمَنْ يَرْجُو الْوَفَاءَ فَهَذَا الْخِلَافُ الَّذِي أَبْدَاهُ فِي مَسْأَلَةِ هِبَةِ الْمَدِينِ الَّذِي يَرْجُو الْوَفَاءَ لَمْ أَرَهُ فِي شَيْءٍ مِمَّا وَقَفْت عَلَيْهِ. اهـ.
لَفْظه وَهُوَ مُشْتَمِلٌ عَلَى فَضَائِحَ تُنَادِي عَلَيْهِ بِالْغَبَاوَةِ وَعَدَمِ الْفَهْمِ وَالْجَهْلِ بِاصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ وَمَدْلُولِ عِبَارَاتهمْ أَمَّا أَوَّلًا فَقَوْلُهُ عَنِّي إنِّي قُلْت مُجْمَعٌ افْتِرَاءٌ وَجَهْلٌ وَعِبَارَتِي اتَّفَقُوا عَلَى الْحُرْمَةِ فِي الْمَاءِ دُونَ الصَّدَقَةِ فِي مَوْضِعٍ وَفِي آخَرَ لَا خِلَافَ وَفِي آخَرَ مَجْزُومٌ بِهِ وَشَتَّانَ بَيْن اتَّفَقُوا وَهَذَا مَجْزُومٌ بِهِ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ وَبَيْنَ هَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ فَإِنَّ الْعِبَارَاتِ الثَّلَاثَةِ الْأُوَلُ يُقَالُ فِيهَا تَتَعَلَّقُ بِأَهْلِ الْمَذْهَبِ لَا غَيْرُ وَأَمَّا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ فَإِنَّهَا عِبَارَةٌ تُقَالُ فِيمَا أَجْمَعَتْ عَلَيْهِ الْأُمَّةُ فَتَحْوِيل هَذَا الْمُعْتَرِضِ عِبَارَتِي مِنْ اتَّفَقُوا أَوْ لَا خِلَافَ فِيهِ أَوَمَجْزُومٌ بِهِ إلَى مُجْمَعٍ عَلَيْهِ مِمَّا قَضَى عَلَيْهِ بِجَهْلِ اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ وَمَنْ لَمْ يُحْسِنْ الْفَرْقَ بَيْنَ تِلْكَ الْأَلْفَاظِ مَعَ زَعْمِهِ أَنَّ لَهُ فِي الِاشْتِغَالِ بِالْفِقْهِ لَا غَيْرُ نَحْوَ خَمْسِينَ سَنَةً حَقِيقٌ أَنْ لَا يُقَالَ لَهُ مَا أَحَقَّك بِأَنَّك رَاكِبٌ مَتْنَ عَمْيَاءَ وَخَابِطٌ خَبْطَ عَشْوَاءَ وَمَا أَحْسَنَ قَوْلَ ابْنِ قَيْسِ بْنِ الْحَطِيم وَدَاءُ النُّوكِ لَيْسَ لَهُ دَوَاءٌ وَقَوْلَ الْعَضُدِ لَيْسَ لِمَرَضِ الْجَهْلِ الْمُرَكَّبِ مِنْ شِفَاءٍ وَأَمَّا ثَانِيًا فَقَوْلُهُ وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ صَدَرَ إلَخْ هُوَ مِنْ قَبِيحِ غَبَاوَتِهِ

الصفحة 30