كتاب الفتاوى الفقهية الكبرى (اسم الجزء: 3)
أَخَذَهَا مِنْهُ بَاطِلَةٌ وَأَنَّ هَذَا الْجَاهِلَ الْغَبِيَّ لَا تَأَمُّلَ لَهُ وَلَا ذَوْقَ وَلَيْتَهُ مَعَ ذَلِكَ سَلِمَ مِنْ الْبُهْتِ وَالْكَذِبِ اللَّذَيْنِ هُمَا أَقْبَحُ وَصْفٍ فِي الْإِنْسَانِ ثُمَّ أَمَرَهُ بِرَفْعِ الْيَدَيْنِ بِالدُّعَاءِ بِهَلَاكِهِ عَنْ الْمُسْلِمِينَ شَيْءٌ جَرَى عَلَى لِسَانِهِ لِتُنَاسِبَ وَصْفَهُ فَإِنَّ مَنْ هَذَا حَالُهُ مَضَلَّةٌ لِلنَّاسِ وَأَيُّ مَضَلَّةٍ وَمَزَلَّةٌ لِلضُّعَفَاءِ وَأَيُّ مَزَلَّةِ فَحُقَّ أَنْ يُبْتَهَلَ فِي أَمْرِهِ بِصَلَاحِهِ وَإِلَّا فَبِهَلَاكِهِ فَإِنَّ بَلَدَهُ خَلَتْ عَمَّنْ يَتَأَهَّلُ لِلرَّدِّ عَلَيْهِ فَأَنْشَدَ لِسَانُ الْحَالِ الْأَصْدَقُ مِنْ لِسَانِ الْقَالِ
خَلَا لَكِ الْبَرُّ فَبِيضِي وَاصْفَرِي ... وَنَقِّرِي مَا شِئْتِ أَنْ تُنَقِّرِي
لَكِنْ بِحَمْدِ اللَّهِ الْعُلَمَاءُ مَا زَالُوا فِي أَقْطَارِ الْأَرْضِ فَكُلُّ مَنْ بَلَغَهُمْ قَالُهُ أَوْ رُفِعَ إلَيْهِمْ حَالُهُ أَوْضَحُوا مَا انْطَوَى عَلَيْهِ مِنْ الْجَهْلِ وَالْغَبَاوَةِ وَالْكَذِبِ وَالْخِيَانَةِ وَالشَّقَاوَةِ لِيُحَذِّرُوا النَّاسَ مِنْ حَالِهِ وَيُنَفِّرُوهُمْ عَنْ قَالِهِ.
فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ آكَدِ الْوَاجِبَاتِ عَلَيْهِمْ إذْ لَوْ تَرَكُوا كُلَّ قَائِلٍ وَبَهَّاتٍ فِي غَيِّهِ وَتَزْوِيرِهِ وَعِيِّهِ لَفَسَدَ النِّظَامُ وَتَغَيَّرَتْ الْأَحْكَامُ وَتَطَاوَلَ أَهْل الْفَسَادِ وَأَفْسَدَ النَّاسَ أَهْلُ الْحُمْقِ وَالْعِنَادِ أَبَادَهُمْ اللَّهُ إلَى قِيَامِ السَّاعَةِ كَمَا أَخْبَرَ بِهِ الْمَعْصُومُ وَقَضَى بِهِ الْأَمْرُ الْمَحْتُومُ ثُمَّ أَنْشَدَ مُتَبَجِّحًا عَلَى تَرْوِيجِ كَذِبِهِ وَعِنَادِهِ وَمُدَّعِيًا مَرْتَبَةَ كَذِبِهِ فِيهَا قَوَاطِع بَلَادَتِهِ الْمَعْلُومَةِ مِنْ إصْدَارِهِ وَإِيرَادِهِ
وَإِذَا كُنْت بِالْمَدَارِكِ غِرًّا ... ثُمَّ أَبْصَرْت عَارِفًا لَا تُمَارِ
وَإِذَا لَمْ تَرَ الْهَلَاكَ فَسَلِّمْ ... لِرِجَالٍ رَأَوْهُ بِالْأَبْصَارِ
وَلَقَدْ صَدَقَ فَإِنَّهُ وَاَللَّهِ غَرِيرُ الْمَدَارِكِ وَغَيْرِهَا وَأَيُّ غَرٍّ بَلْ غَبِيٍّ مِمَّنْ أَبْصَرَ الْعِرْفَانَ وَالْحَقَّ ثُمَّ عَانَدَ وَمَارَى وَكَذَّبَ وَافْتَرَى وَلَمْ يَسْلُكْ فِي هَذَا الْكِتَابِ مَسْلَكَ نُورٍ قَطُّ وَإِنَّمَا سَلَكَ مَسَالِكَ ظُلْمَةِ الْكَذِبِ وَالشَّطَطِ حَتَّى هَوَتْ بِهِ إلَى مُهَاوِي الْعَنَا وَالْعِنَادِ الْمُوجِبَةِ لِحِرْمَانِ التَّوْفِيقِ وَالسَّدَادِ الْمَوْضِعُ الْحَادِيَ عَشَر أَنِّي لَمَّا اعْتَرَضْت نِسْبَته لِابْنِ الرِّفْعَةِ تَقْلِيدًا لِغَيْرِهِ أَنَّ كُلًّا مِنْ التَّمْلِيكِ وَالْعِتْقِ وَالْوَقْفِ وَالصَّدَقَةِ بِأَنَّ نِسْبَةَ الثَّلَاثَةِ الْأُخْرَى إلَيْهِ عَلَى جِهَةِ كَوْنِهِ صَرَّحَ بِهَا لَا يَجُوزُ قَالَ الْجَوَابُ أَنَّهُ لَمَّا اتَّحَدَ تَعْلِيلُهُمْ وَلَمْ يُمْكِنْ الْفَرْقُ وَكَانَ فِي قُوَّةِ كَلَامِ ابْنِ الرِّفْعَةِ التَّصْرِيحُ بِذَلِكَ جَازَتْ نِسْبَتُهُ إلَيْهِ. اهـ.
فَتَأَمَّلْ هَذَا الْجَوَابَ الْبَاطِلَ الْمَبْنِيَّ عَلَى مَا هُوَ الْحَقُّ مِنْ جَهْلِهِ بِالْأُصُولِ جُمْلَةً كَيْفَ وَقَدْ قَالُوا فِي الْمَقِيسِ بِالْأَوْلَى لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا قَالَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمِنْ ثَمَّ صَرَّحُوا فِي الْقَوْلِ الْمُخَرَّجِ بِأَنَّهُ لَا يُنْسَبُ لِلشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إلَّا مُقَيَّدًا لِجَوَازِ أَنَّهُ لَوْ اطَّلَعَ عَلَيْهِ لَا يَرَى فَارِقًا فَكَذَا يُقَالُ يَجُوزُ أَنَّ ابْنَ الرِّفْعَةِ لَوْ سُئِلَ عَنْ تِلْكَ الثَّلَاثَةِ لَا يَرَى فَارِقًا كَمَا أَبْدَيْته فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ
وَتَكَلَّمْت عَلَيْهِ فِي الْقُرَّةِ رَدًّا عَلَى اعْتِرَاضِ ذَلِكَ الْبَلِيدِ عَلَيْهِ فَاتَّضَحَ أَنَّ قَوْلَهُ فِي تِلْكَ الثَّلَاثَة كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ كَذِبٌ وَيَلْزَمُهُ أَنْ يَقُولَ آخِرًا إنَّ مَالَ الْيَتِيمِ وَضَرْب أَحَدِ الْوَالِدَيْنِ كُلٌّ مِنْهُمَا نَصَّ الْقُرْآنُ الْعَظِيمُ عَلَى حُرْمَتِهِ لَكِنَّهُ عَامِّيٌّ فِي هَذِهِ الْمَبَاحِثِ فَلَيْتَهُ لَمْ يَحْضُرْ فِيهَا وَتَأَمَّلَ عَامِّيَّتَهُ الْقَبِيحَةَ فِي قَوْله لَمَّا اتَّحَدَ تَعْلِيلُهُمْ وَالْمُتَعَيِّنُ تَعْلِيلُهَا أَيْ الْمَسَائِلَ وَمَا أَحْسَنَ ذَلِكَ فِي نَحْوِ خَاضِعِينَ وَطَائِفِينَ وَلَا يَتَأَتَّى اعْتِبَارُهُ هُنَا عَلَى أَنَّ هَذَا إنَّمَا يُقَالُ لَوْ كَانَ الْكَلَامُ مَعَ مَنْ يَدْرِي ذَلِكَ أَوْ يَتَأَهَّلُ لِإِدْرَاكِهِ وَأَمَّا مَنْ لَا يَدْرِي ذَلِكَ رَأْسًا فَهُوَ الْقَاعِدُ مَعَ الْمُخَالِفِينَ الْآخِذُ بِحُجْزَةِ الْجَاهِلِينَ الْمَوْضِعُ الثَّانِي عَشَرَ ثُمَّ قَالَ اعْتِرَاضًا عَلَى مَسْأَلَةِ التَّحْرِيمِ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا فِي النُّفُوذِ فِي الْجَائِزِ وَهُوَ غَيْرُ مُمْكِنٍ فَحَكَمَ عَلَى تَصَرُّفَاتِ الْمُفْلِسِ قَبْل الْحَجْرِ الْجَائِزِ وَالْحُرْمَةُ بِالنُّفُوذِ اتِّفَاقًا. اهـ.
وَهَذَا بِكَلَامِ الْمُبَرْسَمِينَ أَشْبَه أَوْجَبَهُ أَنَّهُ تَوَالَتْ عَلَيْهَا ثِقَالُ الْبَرَاهِينِ الْحَقِّيَّةِ حَتَّى كَسَتْ عَقْلَهُ فَشَقْشَقَ بِمُهْمَلَاتِ الْأَلْفَاظِ الْعَامِّيَّةِ وَلَسْت أَنَا الْحَاكِيَ لِلِاتِّفَاقِ وَإِنَّمَا الْحَاكِي لَهُ الرَّوْضَةُ وَعِبَارَتُهَا وَاعْلَمْ أَنَّ التَّعَلُّقَ الْمَانِعَ مِنْ التَّصَرُّف يَفْتَقِرُ إلَى حَجْرِ الْقَاضِي عَلَيْهِ قَطْعًا وَعِبَارَةُ أَصْلِهَا لَا شَكَّ أَنَّ التَّعَلُّقَ الْمَانِعَ مِنْ التَّصَرُّفِ يَفْتَقِرُ إلَى حَجْر الْقَاضِي عَلَيْهِ فَعَدُّوهُمَا مِنْ التَّعْلِيقِ الْمَانِعِ لِلتَّصَرُّفِ بِحَجْرِ الْقَاضِي وَقَطْعًا بِذَلِكَ وَلَا شَكَّ أَنَّ التَّعَلُّقَ عَامٌّ لِلْجَائِزِ وَالْمُحَرَّمِ فَيَكُونُ الْقَطْعُ فِيهِمَا وَفِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ إذَا دَخَلَتْ فِي خِلَالِ كَلَامِ الْأَصْحَابِ كَانَتْ مَنْقُولَةً وَكَأَنَّهُ
الصفحة 34
378