كتاب الفتاوى الفقهية الكبرى (اسم الجزء: 3)

اهـ. فَتَأَمَّلْ هَذَا الْفَهْمَ الْعَجِيب وَالذُّهُولَ الْغَرِيبَ لَكِنَّهُ لَيْسَ بِغَرِيبٍ بِمِثْلِ مَنْ اتَّبَعَ هَوَاهُ حَتَّى أَضَلَّهُ وَأَعْمَاهُ إذْ مَعْنَى قَوْلِي كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى صِغَارِ الطَّلَبَةِ حَالًّا فِي الْحَالِّ أَنَّهُ إذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ حَالٌّ وَلَيْسَ مَعَهُ وَفَاؤُهُ حَالًّا بِيَدِهِ وَإِنَّمَا لَهُ جِهَةٌ ظَاهِرَةٌ يَقْدِرُ عَلَى وَفَاءِ الْحَالِّ الَّذِي عَلَيْهِ حَالًّا لَوْ وَجَّهَ إلَيْهَا وَكَذَا عِنْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ فِي الْمُؤَجَّلِ كَانَ مُوسِرًا رَاجِيًا لِلْوَفَاءِ وَإِذَا كَانَ هَذَا هُوَ الْمَعْنَى فَكَيْفَ يُقَالُ لَزِمَ مِنْ ذَلِكَ اشْتِرَاطُ كَوْنِهِ عَلَى مَلِيٍّ بَاذِلٍ حَاضِرِ فَفَهِمَ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ هَذِهِ الْعِبَارَةِ أَنَّ لَهُ دَيْنًا حَالًا عَلَى آخَرَ وَأَشْبَهُ مِنْ هَذَا الْفَهْمِ الْفَاسِدِ قَوْلُهُ لَزِمَ ذَلِكَ اشْتِرَاطُ كَوْنِهِ إلَخْ فَوَقَعَ فِي الدَّاهِيَةِ الدَّهْيَاءِ وَخَبَطَ خَبْطَ عَشْوَاءَ وَقَوْلُهُ فَاشْتِرَاطُ تَصَوُّرِ الْحُلُولِ يَعُودُ عَلَى التَّرَادُفِ بِإِبْطَالِهِ فَزَادَ وَأَخْطَأَ وَضَلَّ وَمُوجِبِ هَذَا الزَّلَلِ الْوَاضِحِ الْمُبَادَرَةُ إلَى الِاعْتِرَاضِ قَبْلَ التَّأَمُّلِ بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا الْفَهْمَ الرَّدِيءَ بَعْدَ تَأَمُّلِهِ بِحَسَبِ جَهْدِهِ الدَّالِّ عَلَى أَنَّهُ لَا فَهْمَ لَهُ وَلَا تَأَمُّلَ الْمَوْضِعُ السَّادِسَ عَشَرَ ثُمَّ قَالَ وَإِذَا سَلَّمْتَ أَنَّ التَّحْرِيمَ فِي هِبَةِ الْمَاءِ ذَاتِيٌّ سَلَّمْتُ أَنَّ التَّحْرِيمَ فِي جِهَةِ الْمَدِينِ ذَاتِيٌّ وَهَذَا مِنْ الْمُغَالَطَةِ أَوْ الْمُصَادَرَةِ الدَّالَّةِ عَلَى فَسَادِ التَّصَوُّرِ وَكَيْفَ تَقُولُ ذَلِكَ لِمَنْ بَسَطَ فِي كَلَامِهِ فِي كِتَابِهِ هَذَا وَالْقُرَّةُ الْكَلَامُ مَعَك وَبَيْنَ الْقُرَّةِ الْمُوَضِّحِ لِلْفَرْقِ بَيْنَهُمَا مِنْ وُجُوهٍ عَدِيدَةٍ لَمْ تَحُمْ حَوْلَ فَهْمِهَا فَضْلًا عَنْ إدْرَاكِ غَوْرِهَا
وَإِلَّا لَمْ تَذْكُرْ هَذِهِ الْمُلَازَمَةَ الْبَاطِلَةَ الْمَوْضِعُ السَّابِعَ عَشَرَ ثُمَّ سَاقَ قَوْلِي فِي الْقُرَّةِ عَنْ جَمْعٍ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ فِي الْحِيَلِ أَنَّهَا إذَا أَسْقَطَتْ حَقَّ الْغَيْرِ بَعْدَ وُجُوبِهِ حُرِّمَتْ هَذَا مِنْهُمْ تَصْرِيحٌ بِأَنَّهَا مَعَ حُرْمَتِهَا وَإِبْطَالِهَا حَقَّ الْغَيْرِ الْمُتَعَلِّقِ بِتِلْكَ الْعَيْنِ الْمُتَصَرِّفِ فِيهَا كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي الشُّفْعَةِ بَعْدَ وُجُوبِهَا يَصِحُّ الْعَقْدُ الْمُشْتَمِلَةُ تِلْكَ الْحِيلَةُ عَلَيْهِ وَإِنْ فَوَّتَ ذَلِكَ الْحَقَّ وَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا مِنْ كَلَامِهِمْ وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ حُرْمَةَ تَفْوِيت ذَلِكَ الْحَقِّ لَا تُنَافِي صِحَّةَ الْعَقْدِ الْمُفَوِّتِ لَهُ وَإِنْ تَعَلَّقَ بِالْعَيْنِ فَأَوْلَى تَبَرُّعُ الْمَدِينِ إلَخْ هَذِهِ عِبَارَتِي اعْتَرَضَهَا بِاعْتِرَاضَاتٍ فَقَالَ وَمِمَّا اسْتَدَلَّ بِهِ أَنَّهُ ذَكَرَ أَنَّ فِي الشُّفْعَةَ إذَا بَاعَ الشِّقْصَ بَعْدَ الشِّرَاءِ أَوْ وَهَبَهُ أَوْ وَقَفَهُ قَاصِدًا الْحِيلَةَ أَنَّهُ يَحْرُمُ وَيَصِحُّ فَأَبْقَوْا الصِّحَّةَ وَالتَّحْرِيمَ مَعَ وُجُودِ النُّفُوذِ هَذَا حَاصِلُ كَلَامِهِ وَهُوَ مُغَالَطَةٌ وَانْظُرْ إلَى قَوْلِهِ وَهُوَ تَفْوِيتٌ فَأَدْخَلَ ذَلِكَ فِي كَلَامِهِمْ كَعَادَتِهِ أَنَّهُ لَا يَتِمُّ لَهُ الِاسْتِشْهَادُ إلَّا إذَا أَدْخَلَ فِي الْكَلَامِ تَلْبِيسًا ثُمَّ قَالَ وَلَوْلَا جَوَازُ النَّقْضِ لَمَا صَحَّ الْعَقْدُ. اهـ.
كَلَامُهُ الْمُشْتَمِلُ عَلَى مَا يُسَوِّدُ الْوَجْهَ مِنْ الِافْتِرَاءِ عَلَيَّ بِأَنْ نَسَبَ إلَيَّ مَا لَمْ أَقُلْهُ وَفَهِمَ كَلَامِي عَلَى غَيْرِ وَجْهِهِ مِمَّا لَا يَقَعُ فِيهِ صِغَارُ الطَّلَبَةِ وَبَيَان ذَلِكَ أَنَّ مَعْنَى عِبَارَتِي أَنَّ كَثِيرِينَ قَائِلُونَ بِتَحْرِيمِ الْحِيلَةِ الْمُسْقِطَةِ لِلشُّفْعَةِ بَعْدَ وُجُوبِهَا كَالْإِبْرَاءِ مِنْ الثَّمَنِ أَوْ هِبَةِ الْمَبِيعِ لِلْمُشْتَرِي بَعْدَ الْبَيْع فِي مَجْلِسِ الْخِيَارِ أَوْ زَمَنِهِ وَسَبَبُ الْحُرْمَةِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ الْإِضْرَارُ بِالشَّفِيعِ بِإِسْقَاطِ حَقِّهِ الْمُتَعَلِّقِ بِالْعَيْنِ بِسَبَبِ الْبَيْعِ وَمَعَ هَذَا التَّحْرِيمِ الْمُتَعَلِّقِ بِالْعَيْنِ عِنْد هَؤُلَاءِ يَصِحُّ الْإِبْرَاءُ وَالْهِبَةُ فَعَلِمْنَا مِنْ الصِّحَّةِ فِي هَذَا مَعَ التَّحْرِيمِ عِنْدَ أُولَئِكَ أَنَّ التَّحْرِيمَ لِلْأَمْرِ الْخَارِجِيِّ كَالْإِضْرَارِ هُنَا وَفِي تَبَرُّعِ الْمَدِينِ لَا يُنَافِي الصِّحَّةَ بَلْ يُجَامِعُهَا وَإِذَا كَانَ هَذَا هُوَ مَعْنَى هَذِهِ الْعِبَارَةِ الْمُتَبَادِرِ مِنْهَا حَتَّى لِلصِّغَارِ فَكَيْفَ سَاغَ لَهُ تَبْدِيلُهَا وَتَحْرِيفُهَا إلَى مَا ذَكَرَهُ لَكِنْ مَنْ لَا فَهْمَ لَهُ وَلَا تَصَوُّرَ لَيْسَ بِبَعِيدٍ عَلَيْهِ أَنْ تَصْدُرَ مِنْهُ هَذِهِ الْقَبَائِحُ مِنْهَا قَوْلُهُ أَنَّهُ ذَكَرَ أَنَّ فِي الشُّفْعَةِ إذَا بَاعَ الشِّقْصَ بَعْدَ الشِّرَاءِ أَوْ وَهَبَهُ أَوْ وَقَفَهُ إلَخْ وَهَذَا كَذِبٌ صُرَاحٌ عَلَى سَبِيلِ سُوءِ فَهْمِهِ وَتَحْرِيفِهِ حَتَّى يُرَتِّبَ عَلَيْهِ جَوَابَهُ بِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا صَحَّ مَعَ الْحُرْمَةِ لِأَنَّ لِلشَّفِيعِ نَقْضُهُ.
وَكُلُّ ذَلِكَ بَاطِلٌ وَكَيْفَ يُعْقَلُ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَحْرُمُ عَلَيْهِ ذَلِكَ الْإِضْرَارُ بِالشَّفِيعِ مَعَ أَنَّ لِلشَّفِيعِ النَّقْضَ فَهَمُّهُ أَنَّ كَلَامَ الْأَصْحَابِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ يُنْبِي عَنْ أَنَّهُ مَا فَهِمَ عِبَارَتِي وَلَا مُرَادَ الْأَصْحَابِ وَإِنَّمَا مُرَادُهُمْ مَا ذَكَرْتُهُ أَنَّ الشَّرِيكَ بَعْدَ بَيْعِهِ الْمُوجِبِ لِلشُّفْعَةِ يُرِيدُ إسْقَاطَهَا بِالْكُلِّيَّةِ فَهَذَا هُوَ الَّذِي قَالَ أُولَئِكَ بِحُرْمَتِهِ وَعَلَّلُوا بِإِضْرَارِ الشَّفِيعِ بِبَقَاءِ الشَّرِكَةِ وَحُرْمَةُ هَذَا مَعَ صِحَّتِهِ لَا جَوَابَ عَنْهُ وَأَمَّا مَا قَالَهُ ذَلِكَ الْغَبِيُّ وَأَجَابَ عَنْهُ فَهُوَ مِنْ فَضَائِحِهِ الَّتِي أَظْهَرَهَا اللَّهُ عَلَيْهِ حَتَّى تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَا فَهْمَ لَهُ بَلْ وَلَا دَيْنَ وَإِلَّا لَسَاقَ لَفْظ عِبَارَتِي وَتَكَلَّمَ عَلَيْهِ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ حَاصِلُ كَذَا ثُمَّ أَجَابَ عَنْهُ بِمَا تَبَيَّنَ بِهِ

الصفحة 36