كتاب الفتاوى الفقهية الكبرى (اسم الجزء: 3)

نَائِبَا الشَّرْعِ فَهُمَا بِمَنْزِلَةِ شَخْصٍ وَاحِدٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(وَسُئِلَ) عَنْ رَجُلٍ لَهُ ابْنَة زَوَّجَهَا مِنْ رَجُلٍ وَهِيَ بِكْرٌ وَلَمْ يَفُكَّ عَنْهَا حَجْرَهُ الشَّرْعِيَّ فَأَقَامَتْ مَعَ زَوْجِهَا الْمَذْكُورِ مُدَّةً مُسْتَطِيلَةً وَاسْتَوْلَدَهَا أَوْلَادًا ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ طَرَأَ لِوَالِدِهَا سَفَرٌ مِنْ بَلْدَتِهِ الَّتِي ابْنَتُهُ مُقِيمَةٌ بِهَا إلَى الْحِجَازِ فَجَعَلَ الزَّوْجُ الْمَذْكُورُ يُشَاجِرُهَا حَتَّى أَبْرَأَتْهُ مِنْ صَدَاقِهَا عَلَى يَدِ حَاكِمٍ شَرْعِيٍّ وَتَحَمَّلَتْ بِأَوْلَادِهَا التَّحَمُّلَ الشَّرْعِيَّ فَأَبَانَهَا الزَّوْجُ الْمَذْكُورُ الْبَيْنُونَةَ الشَّرْعِيَّةَ فَهَلْ تَصِحُّ مِنْهَا الْبَرَاءَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي غَيْبُوبَةِ وَالِدِهَا وَهِيَ تَحْتَ حَجْرِهِ أَمْ لَا وَهَلْ يَصِحُّ تَحَمُّلُهَا بِأَوْلَادِهَا أَمْ لَا وَهَلْ إذَا قُلْتُمْ يَصِحُّ تَحَمُّلُهَا فَهَلْ لَهَا تَعْجِيزُ نَفْسِهَا عَنْ التَّحَمُّلِ بِالْأَوْلَادِ أَمْ لَا؟
(فَأَجَابَ) مَتَى لَمْ يَثْبُت رُشْدُهَا فَإِبْرَاؤُهَا بَاطِلٌ وَكَذَلِكَ تَحَمُّلُهَا إلَّا أَنْ يَحْكُمَ بِذَلِكَ حَاكِمٌ يَرَاهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(وَسُئِلَ) عَنْ شَخْصٍ عِنْدَهُ دَرَاهِمُ لِيَتِيمٍ أَوْ لِغَائِبٍ أَوْ لِمَسْجِدٍ وَنَحْوِهِ وَالْيَتِيمُ وَنَحْوُهُ غَيْرُ مُحْتَاج لَهَا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَأَرَادَ الْقَيِّمُ وَنَحْوُهُ إقْرَاضَهَا أَوْ التَّصَرُّفَ فِيهَا بِرَدِّ بَدَلِهَا فَهَلْ يَسُوغُ لَهُ ذَلِكَ وَهَلْ قَالَ بِذَلِكَ أَحَدٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَلَوْ مِنْ غَيْرِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مَعَ أَنَّ الْبَلَدَ لَيْسَ بِهَا حَاكِمٌ وَهَلْ تَجِدُونَ لَهُ طَرِيقًا فِي ذَلِكَ أَمْ لَا؟
(فَأَجَابَ) إقْرَاضُ الْوَلِيِّ مَالَ مَحْجُورِهِ فِيهِ تَفْصِيلٌ وَهُوَ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْأَبِ وَالْجَدِّ وَالْوَصِيِّ الْإِقْرَاضُ عِنْدَ الضَّرُورَةِ لِنَهْبٍ أَوْ حَرِيقٍ أَوْ إرَادَةِ سَفَرٍ وَفِي غَيْرِ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ وَلِلْقَاضِي الْإِقْرَاضُ مُطْلَقًا لِكَثْرَةِ أَشْغَاله هَذَا مَا عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ لَكِنْ أَطَالَ الْإِسْنَوِيُّ كَالسُّبْكِيِّ فِي رَدِّهِ وَأَنَّ الْقَاضِيَ كَغَيْرِهِ فِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ الْإِقْرَاضُ إلَّا لِضَرُورَةٍ وَأَفْتَى ابْنُ الصَّلَاحِ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لِلْمَحْجُورِ بُسْتَانٌ فَأَجَّرَ وَلِيُّهُ بَيَاضَ أَرْضِهِ بِأُجْرَةٍ تَفِي بِمِقْدَارِ مَنْفَعَةِ الْأَرْضِ وَقِيمَةِ الشَّجَرِ ثُمَّ سَاقَى عَلَى الشَّجَرِ عَلَى سَهْمٍ مِنْ أَلْفِ سَهْمٍ لِلْمَحْجُورِ وَالْبَاقِي لِلْمُسْتَأْجِرِ كَمَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ صَحَّتْ الْمُسَاقَاةُ وَهِيَ مَسْأَلَةٌ نَفِيسَةٌ وَبِأَنَّهُ لَوْ كَانَ عِنْدَ رَجُلٍ صَبِيٌّ يَتِيمٌ وَلَيْسَ وَصِيًّا شَرْعِيًّا وَلَا وَلِيًّا وَخَافَ ضَيَاعَ مَالِهِ إلَّا سَلَّمَهُ إلَى وَلِيِّ الْأَمْرِ جَازَ لَهُ النَّظَرُ فِي أَمْرِهِ وَالتَّصَرُّفُ فِي مَالِهِ وَمُخَالَطَتُهُ فِي الْأَكْلِ وَغَيْرِهِ مِمَّا هُوَ أَصْلَحُ لَهُ وَاسْتِخْدَامُهُ بِمَا فِيهِ تَدْرِيبُهُ قَاصِدًا مَصْلَحَتَهُ وَيَجُوزُ مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ بِمَا لَا يُعَدُّ لِمِثْلِهِ أُجْرَةً وَمَا سِوَى ذَلِكَ لَا يَجُوزُ إلَّا بِأُجْرَةِ مِثْلِهِ وَذَكَرَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ أَنَّ لِلْعَصَبَاتِ كَالْأَخِ وَالْعَمِّ الْإِنْفَاقُ مِنْ مَالِ الصَّبِيِّ فِي تَأْدِيبِهِ وَتَعْلِيمِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ عَلَيْهِ وِلَايَةٌ لِأَنَّهَا قَلِيلَةٌ فَسُومِحَ بِهَا قَالَ الْجُرْجَانِيُّ.
وَلَوْ لَمْ يُوجَدْ وَاحِدٌ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ وَالْحَاكِمِ وَجَبَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ النَّظَرُ فِي مَالِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ بِالْحِفْظِ وَغَيْرِهِ. اهـ.
وَأَمَّا تَصَرُّفُهُ فِيهِ لِنَفْسِهِ فَلَا يَجُوزُ وَإِنْ كَانَ بِنِيَّةِ أَنْ يَرُدَّ بَدَلَهُ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَقْبِضَ مِنْ نَفْسِهِ لِنَفْسِهِ فَلَا حِيلَةَ لَهُ فِي ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَذْهَبَ هُوَ وَالْيَتِيمُ إلَى بَلَدٍ لَهَا قَاضٍ فَإِذَا ذَهَبَا إلَيْهِ وَكَانَ هُنَاكَ ضَرُورَةٌ مُجَوِّزَةٌ لِإِقْرَاضِ مَالِ الْيَتِيمِ لَمْ يَبْعُدْ أَنْ يُقَالَ يَجُوزُ لِلْقَاضِي حِينَئِذٍ إقْرَاضُ مَالِهِ لِلْوَلِيِّ وَأَمَّا فِي غَيْرِ هَذِهِ الصُّورَةِ عَلَى مَا فِيهَا مِنْ نَظَرٍ فَلَا يَجُوزُ لِلْوَلِيِّ أَبًا أَوْ غَيْرَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي مَالِ مُوَلِّيهِ لِنَفْسِهِ نَعَمْ إنْ كَانَ أَبًا أَوْ جَدًّا أَوْ وَصِيًّا وَاشْتَغَلَ بِمَالِ مُوَلِّيهِ عَنْ كَسْبٍ يَكْفِيه وَكَانَ فَقِيرًا أَوْ مِسْكِينًا جَازَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ مِنْ غَيْرِ مُرَاجَعَةِ الْقَاضِي خِلَافًا لِمَا فِي الْأَنْوَارِ أَقَلُّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ كِفَايَتِهِ وَأُجْرَةِ مِثْلِ عَمَلِهِ فِي مَالِ الْيَتِيمِ نَعَمْ إنْ نَقَصَ أَجْرُ الْأَبِ وَالْجَدِّ وَالْأُمِّ إذَا كَانَتْ وَصِيَّةً عَنْ نَفَقَتِهِمْ وَكَانُوا فُقَرَاءَ تَمَّمُوهَا مِنْ مَالِ مَحْجُورِهِمْ وَلَا يَجُوزُ لِلْقَاضِي الْأَخْذُ مُطْلَقًا مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ قَاضِيًا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ وَصِيًّا وَبِخِلَافِ أَمِينِهِ فَإِنَّ لَهُمَا الْأَخْذَ كَمَا صَرَّحَ بِالثَّانِي الْمَحَامِلِيُّ فَبَحْثُ بَعْضِهِمْ خِلَافَهُ مَرْدُودٌ وَقِيَاسُ مَا تَقَرَّرَ مِنْ جَوَازِ الْأَخْذِ بِغَيْرِ قَاضٍ الَّذِي صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الصَّلَاحِ وَاعْتَمَدَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ يَسْتَقِلُّ بِرَدِّ الْبَدَلِ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ الضَّعِيفِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ رَدُّ بَدَلِ مَا يَأْخُذُهُ لَكِنْ صَرَّحَ الرَّافِعِيُّ فِي الْوَصَايَا بِأَنَّهُ لَا يَبْرَأُ إلَّا بِالرَّدِّ إلَى الْحَاكِمِ لِأَنَّهُ لَا يُبَرِّئُ نَفْسَهُ بِنَفْسِهِ.
وَلَوْ تَبَرَّمَ الْوَلِيُّ بِحِفْظِ مَالِ مُوَلِّيه وَالتَّصَرُّفِ فِيهِ جَازَ لَهُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ مَنْ يَتَوَلَّاهُ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ فَأَقَلَّ مِنْ مَالِ مُوَلِّيهِ وَأَنْ يَرْفَعَ الْأَمْرَ لِلْقَاضِي لِيُنَصِّبَ قَيِّمًا لِذَلِكَ لَا لِيَفْرِضَ لَهُ أُجْرَةً فَلَا يُجِيبُهُ وَإِنْ كَانَ فَقِيرًا وَمَحَلُّهُ حَيْثُ وُجِدَ مُتَبَرِّعًا وَإِلَّا أَجَابَهُ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ إطْلَاقُ جَمْعٍ أَنَّهُ يُجِيبُهُ وَيُظْهِرُ أَنَّهُ لَوْ اسْتَأْجَرَ مَنْ

الصفحة 41