كتاب الفتاوى الفقهية الكبرى (اسم الجزء: 3)

أَنَّ لَنَا وَجْهًا بِقَبُولِ قَوْلِ الْوَصِيِّ فِي عَيْنٍ مِنْ التَّرِكَةِ هَذِهِ لِفُلَانٍ.
وَوَجْهًا آخَرَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي يَدِ رَجُلٍ مَالٌ لِمَيِّتٍ فَقَالَ أَوْصَى إلَيَّ رَبُّ الْمَالِ أَنْ أَصْرِفَهُ فِي كَذَا قَبْلُ ذَكَرَهُ شُرَيْحٌ فِي رَوْضَتِهِ فَإِذَا دَفَعَ ظَانَّا إفَادَةَ عِلْمِهِ ظَاهِرًا أَوْ مُقَلِّدًا لِلْقَائِلِ بِصِحَّةِ إقْرَارِ الْمَذْكُورِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ قَادِحًا فِي وِلَايَته لِأَنَّهُ لَمْ يَرْتَكِبْ حَرَامًا مَحْظُورًا فِي اعْتِقَادِهِ فَهُوَ نَظِيرُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي حَنَفِيٍّ شَرِبَ النَّبِيذَ أَحُدُّهُ وَأَقْبَلُ شَهَادَتَهُ قَالُوا أَمَّا حَدُّهُ فَلِضَعْفِ شُبْهَتِهِ إذْ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ الصَّرِيحَةُ فِي تَحْرِيمِ النَّبِيذِ أَيْ الْقَدْرِ الَّذِي لَا يُسْكِرْ مِنْهُ أَكْثَر مِنْ أَنْ تُحْصَرَ وَأَشْهَرُ مِنْ أَنْ تُذْكَرَ وَأَمَّا قَبُولُ شَهَادَتِهِ؛ فَلِأَنَّهُ لَمْ يَرْتَكِبْ مُحَرَّمًا فِي اعْتِقَادِهِ فَلَمْ تَبْطُلْ عَدَالَتُهُ وَالِاسْتِرْبَاحُ اخْتَلَفُوا فِي وُجُوبِهِ وَعَلَى الْقَوْلِ بِالْوُجُوبِ لَهُ شُرُوطٌ مُقَرَّرَةٌ فِي مَحَلِّهَا فَإِذَا امْتَنَعَ الْوَصِيُّ مَعَ وُجُودِهَا وَسُهُولَتِهَا عَلَيْهِ أَثِمَ وَلَا يَنْعَزِلُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَئِمَّةُ فِي عِدَّةِ مَسَائِلَ مِنْهَا قَوْلُهُمْ لَوْ اخْتَلَفَ وَصِيَّانِ فِي التَّصَرُّفِ أُلْزِمَا بِالْعَمَلِ بِمَا يَرَاهُ الْحَاكِمُ مَصْلَحَةً فَإِنْ امْتَنَعَا لَمْ يَنْعَزِلَا بَلْ يُنِيبُ عَنْهُمَا اثْنَيْنِ لِيَتَوَلَّيَاهُ حَتَّى يَتَّفِقَا عَلَى الْعَمَلِ بِالْمَصْلَحَةِ فَإِنْ امْتَنَعَ وَاحِدٌ فَقَطْ أَنَابَ عَنْهُ. اهـ. وَمِنْهَا قَوْلُ الْقَاضِي حُسَيْنٍ حَيْثُ مَنَعَ الْوَلِيَّ مِنْ السَّفَرِ بِمَالِ مَحْجُورِهِ فَتَعَدَّى وَسَافَرَ بِهِ لَمْ يَنْعَزِلْ بِهَذَا الْقَدْرِ مِنْ التَّعَدِّي كَمَا لَا تُرَدُّ شَهَادَةُ الشَّاهِدِ بِكُلِّ فِسْقِ. اهـ.
وَأَقَرَّهُ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الْقَمُولِيُّ فِي جَوَاهِرِهِ فَإِنْ قُلْتَ يُنَافِيه قَوْلُ الْقَاضِي نَفْسِهِ وَأَقَرَّهُ فِي الرَّوْضَةِ لَوْ لَمْ يَقْبَلْ الْوَلِيّ أَوْ الْقَيِّمُ الْهَدِيَّةَ أَوْ الْوَصِيَّةَ لِمُوَلِّيهِ أَثِمَ وَانْعَزَلَ لِتَرْكِهِ النَّظَرَ قُلْتُ لَا مُنَافَاةَ لِأَنَّهُ هُنَا فَوَّتَ عَلَيْهِ عَيْنًا مَوْجُودَةً مَحْسُوسَةً بِخِلَافِ مُجَرَّدِ سَفَرِهِ بِالْمَالِ فَإِنَّ الَّذِي فِيهِ إنَّمَا هُوَ خَشْيَةُ فَوَاتٍ وَلَمْ تُوجَدْ وَفَرْقٌ ظَاهِرٌ بَيْنَ حَقِيقَةِ التَّفْوِيتِ وَخَشْيَةِ الْفَوَاتِ عَلَى أَنَّ الشَّيْخَ أَبَا إِسْحَاقَ قَيَّدَ الْوُجُوبَ عَلَى الْأَب بِمَا إذَا لَمْ يَقْصِد التَّقَرُّبَ إلَيْهِ بِالْهَدِيَّةِ لِابْنِهِ وَصَوَّبَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْجُوَيْنِيِّ وُجُوبُهُ فِي الْوَصِيَّةِ دُونَ الْهَدِيَّةِ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ بِهَا الْمُكَافَأَةَ وَمَالَ الْأَذْرَعِيُّ إلَى الْوُجُوب عَلَى نَحْوِ الْوَصِيِّ إذْ لَا مِنَّةَ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْأَبِ وَالْجَدِّ ثُمَّ قَيَّدَ الْوُجُوبَ بِمَا إذَا لَمْ يَقْصِدْ التَّوَدُّدَ إلَى الْأَبِ لِوِلَايَةٍ أَوْ قَضَاءٍ وَإِلَّا فَهُوَ طَرِيقٌ إلَى الرِّشْوَةِ لِوُلَاةِ السُّوءِ وَقُضَاتِهِ. اهـ.
قَالَ غَيْرُهُ وَهُوَ حَقٌّ وَصَوَّبَهُ فِي الْخَادِمِ بَلْ زَادَ أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الْأَبِ الْقَاضِي الْقَبُولُ لِئَلَّا يُتَّخَذَ ذَرِيعَةً إلَى الرِّشْوَةِ وَمِنْهَا قَالَ الدَّارِمِيُّ إذَا أَوْجَبْنَا عَلَيْهِ إخْرَاجَ الزَّكَاةِ فَوْرًا أَيْ كَمَا هُوَ الْأَصَحُّ فَلَمْ يُخْرِجْهَا لَمْ يَنْعَزِلْ عَنْ الْوَصِيَّةِ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَإِنْ نَظَرَ فِيهِ الْأَذْرَعِيُّ لِأَنَّهُ لَمْ يُفَوِّتْ شَيْئًا فَهُوَ نَظِيرُ مَا مَرَّ عَنْ الْقَاضِي فِي السَّفَرِ وَعَنْ غَيْرِهِ فِي مَسْأَلَةِ امْتِنَاعِ الْوَصِيَّيْنِ السَّابِقَةِ عَلَى أَنَّ الصَّيْمَرِيَّ مِنْ أَكَابِرِ أَئِمَّتِنَا قَالَ لَا يَجُوزُ لِلْوَلِيِّ أَنْ يَتَّجِرَ لِلْمَحْجُورِ مُطْلَقًا لِفَسَادِ الزَّمَانِ وَجَوْرِ السُّلْطَانِ عَلَى التُّجَّارِ وَمِنْ ثَمَّ قَالَ تِلْمِيذُهُ الْمَاوَرْدِيُّ لَا يَجُوزُ الِاتِّجَارُ إلَّا إنْ كَانَ الزَّمَانُ أَمِينًا وَالسُّلْطَانُ عَادِلًا وَالتِّجَارَةُ مُرْبِحَةً حَالًا أَوْ مَآلًا بِغَلَبَةِ الظُّنُونِ لَا يَجُوزُ لِلْوَلِيِّ أَنْ يَتَّجِرَ لِمُوَلِّيهِ بِصُورَةٍ مُحَرَّمَةٍ إجْمَاعًا أَوْ فِي اعْتِقَادِ الْوَلِيِّ وَأَمَّا مَا فِيهِ شُبْهَةٌ فَلِلسُّبْكِيِّ فِي فَتَاوِيهِ كَلَامٌ طَوِيلٌ فِيهِ حَاصِلُهُ اخْتَلَفُوا فِي الِاتِّجَارِ فِي مَالِ الْيَتِيمِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ وَاجِبٌ بِقَدْرِ النَّفَقَةِ وَالزَّكَاةِ أَيْ دُونَ الزَّائِدِ وَالْوُجُوبُ مَشْرُوطٌ بِالسُّهُولَةِ وَالْيُسْرِ وَأَمَّا أَنَّهُ يَلْزَمُ الْوَلِيَّ ذَلِكَ وَلَا بُدَّ فَلَا يُمْكِنُ الْقَوْلُ بِهِ لِأَنَّا نَرَى حُذَّاقَ التُّجَّارِ يُكِدُّونَ أَنْفُسَهُمْ وَفَائِدَتُهُمْ غَالِبًا لَا تَفِي بِكُلْفَتِهِمْ وَمَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ لَعَلَّهُ كَانَ حِينَ تَيَسُّرِ الْكَسْبُ مِنْ غَيْرِ ظُلْمٍ وَلَا مُكْسٍ وَلَا خَوْفٍ وَأَمَّا الْيَوْمُ فَهَذَا أَعَزُّ شَيْءٍ يَكُونُ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ يَخْسَرُونَهُ وَلَوْ قَدَرَ كُلُّ مَنْ مَعَهُ مَالٌ عَلَى اسْتِنْمَائِهِ قَدْرَ نَفَقَتِهِ كَانُوا سُعَدَاءَ وَنَحْنُ نَرَى أَكْثَرَهُمْ مُعْسِرِينَ وَلَا أَعَزَّ عِنْدَ الْإِنْسَانِ مِنْ نَفْسِهِ فَلَوْ أَمْكَنَهُمْ ذَلِكَ لَفَعَلُوهُ فَكَيْفَ يُكَلَّفُ بِهِ وَلِيُّ الْيَتِيمِ فَقَدْرُ الْمُؤَنِ وَاجِب عِنْدَ السُّهُولَةِ وَمَا زَادَ عَلَيْهِ لَا يَجِبُ مُطْلَقًا عَلَى أَنَّهَا مَعَ اجْتِمَاعِ شُرُوطِ الْوُجُوبِ عَسِرَةٌ إذْ لَا وُثُوقَ بِالْأَسْعَارِ فَقَدْ يَخْسَرُ فَيَغْرَمُ وَيُدَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ فَرَّطَ وَاشْتَرَى بِغَيْرِ مَصْلَحَةٍ.
وَالْقَوْلُ بِالِاسْتِحْبَابِ حِينَئِذٍ جَيِّدٌ ثُمَّ الِاتِّجَارُ لَهُ بِشُرُوطِهِ حَلَالٌ قَطْعًا وَأَمَّا مَا يَعْتَمِدُونَهُ الْآنَ مِنْ طَلَبِ أَلْفٍ بِفَائِدَةِ مِائَتَيْنِ مَثَلًا مِمَّنْ يَفْعَلُ الْحِيلَةَ الْمَعْرُوفَةَ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَبَعْضِ أَصْحَابِنَا فَهَذِهِ لَمْ يَنُصَّ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهَا تُفْعَلُ فِي مَالِ

الصفحة 46