كتاب الفتاوى الفقهية الكبرى (اسم الجزء: 3)
الَّذِي ذَكَرُوهُ أَنَّ الشَّرِيكَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ كَالْأَجْنَبِيِّ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَأْذَنَ لِأَحَدٍ فِي دُخُولِ الدَّارِ الْمُشْتَرَكَةِ بِغَيْرِ إذْنِ جَمِيعِ شُرَكَائِهِ وَمَا نُقِلَ عَنْ الْجُوَيْنِيِّ مِمَّا يُخَالِفُ ذَلِكَ ضَعِيفٌ فَحِينَئِذٍ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ الْمُطَالَعَةُ فِي الْكِتَابِ الْمَذْكُورِ مَا لَمْ يُكْمِلْ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ وَيَأْذَنُ كَبَقِيَّةِ الشُّرَكَاءِ.
وَالْخَوْفُ عَلَيْهِ مِنْ نَحْوِ الْأَرَضَةِ لَا يَجُوزُ لِغَيْرِ الْوَلِيِّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ يَنْدَفِعُ بِغَيْرِ الْمُطَالَعَةِ فَلَا ضَرُورَةَ إلَيْهَا وَعَلَى السَّائِلِ وَفَّقَهُ اللَّهُ الْفَحْصُ وَالتَّنْقِيرُ عَمَّا يَجِدُهُ مِنْ الْفَتَاوَى الصَّادِرَةِ مِمَّنْ لَمْ يَتَأَهَّلْ لِلنَّظَرِ فِي كَلَامِ الْأَصْحَابِ بَلْ يَكْتَفِي بِمُجَرَّدِ كَلَام يَجِدُهُ لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ وَهَذَا لَا يَجُوزُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ النَّوَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - حَيْثُ قَالَ لَا يَجُوزُ لِمَنْ لَمْ يَتَأَهَّلْ الْإِفْتَاءُ بِمَا يَجِدُهُ فِي الْكُتُبِ وَإِنْ رَأَى ذَلِكَ الْحُكْمَ فِي عَشْرِ كُتُبٍ فَأَكْثَرَ؛ لِأَنَّ تِلْكَ الْكُتُبَ كُلَّهَا قَدْ تَكُونُ مَاشِيَةً عَلَى طَرِيقَةٍ ضَعِيفَةٍ. اهـ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) عَنْ شَخْصٍ اشْتَرَى مِنْ آخَرَ أَرْضًا وَمَاتَ الْمُشْتَرِي وَهِيَ بِيَدِ الْبَائِعِ وَلِهَذَا الْمُشْتَرِي وَلَدٌ سَفِيهٌ وَلَهُ زَوْجَةٌ أَقَامَهَا عَلَيْهِ أَبُوهُ وَحَجَرَهُ لَهَا فَمَاتَ هَذَا الْوَلَدُ وَلَهُ أَوْلَادٌ مِنْ هَذِهِ الزَّوْجَةِ فَأَقَامَهَا عَلَيْهِمْ أَيْضًا جَدُّهُمْ الْمُشْتَرِي الْمَذْكُورُ بَعْدَ مَوْتِ وَالِدِهِمْ وَحَجْرِهِمْ لَهَا وَمَاتَ وَهَذِهِ الْأَرْضُ بِيَدِ بَائِعِهَا فَعَمَدَتْ هَذِهِ الزَّوْجَةُ إلَى إنْسَانٍ مِنْ ذَوِي الشَّوْكَةِ وَجَعَلَتْ لَهُ عَلَى خَلَاصِ هَذِهِ الْأَرْضِ مِنْ بَائِعِهَا الْمَذْكُورِ جَمِيعَ مَا يَتَحَصَّلُ فِيهَا مِنْ الْغَلَّةِ مُدَّةَ ثَلَاثِ سَنَوَاتٍ لِكَوْنِ بَائِعِ الْأَرْضِ الْمَذْكُورَةِ مُتَغَلِّبٌ عَلَيْهَا وَالْمُشْتَرِي يَضْعُفُ عَنْ الِاسْتِخْلَاصِ مِنْهُ فَقَامَ هَذَا الْإِنْسَانُ عَلَى هَذَا الْبَائِعِ وَرَفَعَ إلَى ذِي سُلْطَانٍ لَهُ قُدْرَةٌ عَلَى انْتِزَاعِ الْأَرْضِ مِنْهُ بِالْحَقِّ وَانْتَزَعَهَا مِنْهُ وَاسْتَقَلَّ بِغَلَّتِهَا سَنَةً فَقَطْ فَمَاتَتْ الزَّوْجَةُ فَقَامَ الْأَوْلَادُ عَلَى هَذَا الْإِنْسَانِ وَطَالَبُوهُ بِالْغَلَّةِ الَّتِي أَخَذَهَا مِنْ هَذِهِ الْأَرْضِ وَمَنَعُوهُ مِنْ السَّنَتَيْنِ اللَّتَيْنِ تَأَخَّرَتَا لَهُ مِنْ الْجِعَالَةِ فَهَلْ لَهُمْ هَذَا أَمْ لَا وَهَلْ هَذِهِ الْجِعَالَةُ صَحِيحَةٌ أَمْ لَا؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ حَيْثُ كَانَ لِأُمِّ الْأَوْلَادِ وِلَايَةٌ عَلَيْهِمْ بِوِصَايَةٍ مِنْ الْجَدِّ أَوْ نِيَابَةٍ مِنْ الْحَاكِمِ وَعَلِمْت أَنَّ الْأَرْضَ لَا تَتَخَلَّصُ مِنْ بَائِعِهَا إلَّا بِمَا فَعَلَتْهُ مَعَ ذَلِكَ الْإِنْسَانِ وَكَانَتْ الْغَلَّةُ مَعْلُومَةً بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ بِأَنْ وَصَفَتْهَا لَهُ بِأَوْصَافِ السَّلَمِ اسْتَحَقَّ ذَلِكَ الْإِنْسَانُ تِلْكَ الْغَلَّةِ أَوْ قَدْرَهَا فِي مُدَّةِ السِّنِينَ الثَّلَاثِ.
وَإِنْ لَمْ تَكُنْ الْغَلَّةُ مَعْلُومَةً لِذَلِكَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهَا مِنْ مَالِ الْأَوْلَادِ أُجْرَةَ مِثْلِهِ وَأَمَّا إنْ كَانَتْ لَا وِلَايَةَ لَهَا عَلَيْهِمْ فَيَسْتَحِقُّ عَلَيْهَا أُجْرَةَ الْمِثْلِ مِنْ مَالِهَا وَفِيمَا إذَا اسْتَحَقَّ أُجْرَةَ الْمِثْلِ مِنْ مَالِ الْأَوْلَادِ يُقَاصِصُهُمْ بِمَا اسْتَغَلَّهُ مِنْ أَرْضِهِمْ إنْ وُجِدَتْ شُرُوطُ التَّقَاصِّ وَإِلَّا رَدَّ إلَيْهِمْ غَلَّتَهُمْ وَرَجَعَ عَلَيْهِمْ بِأُجْرَتِهِ وَفِيمَا إذَا اسْتَحَقَّهَا مِنْ مَالِ الْأُمِّ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ رَدُّ الْغَلَّةِ وَرَفْعُ يَدِهِ عَنْ الْأَرْض وَيَرْجِعُ عَلَيْهَا بِأُجْرَتِهِ.
(وَسُئِلَ) عَنْ الْأُمِّ وَالْجَدَّةِ إذَا كَانَتْ وَصِيَّةً أَوْ قَيِّمَةً عَلَى أَوْلَادِهَا وَبَاعَتْ عَلَيْهِمْ مَالًا مِنْ غَيْرِ ثُبُوتِ حَاجَةٍ وَلَا غِبْطَةٍ وَلَا ثَمَنِ مِثْلٍ لَدَى حَاكِمٍ شَرْعِيٍّ أَوْ أَخَلَّتْ بِوَاحِدٍ مِنْ الثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورِينَ فَهَلْ هَذَا الْبَيْعُ وَيُسَجِّلُ عَلَيْهِ الْقَاضِي لِشَفَقَتِهَا عَلَيْهِمْ كَبَيْعِ الْأَبِ أَوْ الْجَدِّ إذَا بَاعَا عَلَى أَوْلَادِهَا أَمْ غَيْرُ صَحِيحٍ لِكَوْنِهَا وَصِيَّةً أَوْ قَيِّمَةً فَلَا بُدَّ مِنْ ثُبُوتِ مَا ذُكِرَ أَعْلَاهُ وَإِذَا بَلَغَ الْوَلَدُ وَادَّعَى عَلَى أَبِيهِ أَوْ جَدِّهِ أَنَّهُ بَاعَ مَالَهُ بِغَيْرِ غِبْطَةٍ أَوْ حَاجَةٍ أَوْ بِدُونِ ثَمَنِ الْمِثْلِ فَقَالَا لَهُ بَلْ بِعْنَا بِغِبْطَةٍ أَوْ حَاجَةٍ مَثَلًا فَإِذَا قُلْتُمْ الْقَوْلُ قَوْلُهُمَا مَعَ يَمِينِهِمَا فَإِذَا مَاتَا وَادَّعَى الْوَلَدُ عَلَى الْمُشْتَرِي بِمَا ذُكِرَ فَهَلْ يَحْلِفُ الْمُشْتَرِي كَحَلِفِ أَبِيهِ أَوْ جَدِّهِ أَنَّهُمَا بَاعَا عَلَيْهِ بَعْدَ ثُبُوتِ الْحَاجَةِ وَالْغِبْطَةِ أَوْ مَا يَكُونُ الْحُكْمُ فِي ذَلِكَ وَإِذَا انْتَقَلَ الْمَالُ مِنْ وَاحِدٍ إلَى عَشْرَةٍ مَثَلًا فَهَلْ لِلْوَلَدِ هَذِهِ الدَّعْوَى عَلَى كُلِّ وَاضِعٍ أَوْ لِمَنْ هُوَ تَحْتَ يَدِهِ يَوْمَ الدَّعْوَى؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الَّذِي أَعْتَمِدُهُ بَقَاءُ كَلَامِهِمْ عَلَى إطْلَاقِهِ مِنْ أَنَّ غَيْرَ الْأَبِ وَالْجَدِّ مِنْ الْوَصِيِّ أَوْ الْقَيِّمِ وَلَوْ أُمًّا لَا يُسَجِّلُ الْقَاضِي بِنَحْوِ بَيْعِهِ إلَّا إنْ ثَبَتَ عِنْدَهُ مُسَوِّغُهُ الشَّرْعِيُّ وَلَا يُكْتَفَى بِقَوْلِهِ فِي ذَلِكَ.
وَلَيْسَ فِي تَعْلِيلِهِمْ اغْتِفَارَ ذَلِكَ فِي الْأَبِ وَالْجَدِّ بِالشَّفَقَةِ مَا يَقْتَضِي أَنَّ الْأُمَّ الْوَصِيَّةَ مَثَلًا كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ التَّعْلِيلَ لَا يَنْظُرُ لِلشَّفَقَةِ فَحَسْبُ بَلْ إلَى كَوْنِهَا مِنْ كَامِلِ الْعَقْلِ وَالتَّصَرُّفِ فَالْعِلَّةُ مُرَكَّبَةٌ فَتَخْرُجُ الْأُمُّ؛ لِأَنَّ شَفَقَتَهَا مَعَ نَقْصِ عَقْلهَا وَتَصَرُّفُهَا
الصفحة 53
378