كتاب الفتاوى الفقهية الكبرى (اسم الجزء: 3)

حَصَلَ لِلْغَيْرِ تَضَرُّرٌ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ ضَرَرَ صَاحِبِ الْأَرْضِ مُقَدَّمٌ عَلَى ضَرَرِ صَاحِبِ الشَّجَرَةِ فَلَا نَظَرَ لِفَسَادِهَا بِقَطْعِ عُرُوقِهَا الْمَذْكُورَةِ

(وَسُئِلَ) عَنْ شَجَرَةٍ بِمِلْكِ شَخْصٍ خَرَجَتْ أَغْصَانُهَا إلَى مِلْكِ آخَرَ فَأَضَرَّتْ بِزَرْعِهِ أَوْ شَجَرِهِ هَلْ لَهُ قَطْعُهَا؟
(فَأَجَابَ) بِأَنَّ لَهُ أَنْ يُطَالِبَهُ بِتَحْوِيلِهَا فَإِنْ امْتَنَعَ فَلَهُ قَطْعُهَا وَلَوْ بِلَا إذْنِ قَاضٍ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ حَيْثُ قَالُوا وَلِمَنْ تَحَوَّلَتْ أَغْصَان شَجَرِهِ لِهَوَاءِ مِلْكِهِ الْخَالِصِ أَوْ الْمُشْتَرَكِ وَكَذَا مَا اسْتَحَقَّ مَنْفَعَتَهُ بِنَحْوِ وَصِيَّةٍ إنْ قُلْنَا إنَّهُ يُخَاصِمُ أَنَّهُ يُطَالِبُ الْمَالِكَ بِتَحْوِيلِهَا فَإِنْ امْتَنَعَ الْمَالِكُ جَازَ لَهُ تَحْوِيلُهَا إنْ أَمْكَنَ وَإِلَّا جَازَ لَهُ قَطْعُهَا وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ الْقَاضِي وَلَا يَصِحُّ الصُّلْحُ عَنْ إبْقَائِهَا؛ لِأَنَّهُ اعْتِيَاضٌ عَنْ مُجَرَّدِ الْهَوَاءِ لَا عَنْ اعْتِمَادِهَا عَلَى جِدَارِهِ مَا دَامَتْ رَطْبَةً وَكَالْأَغْصَانِ فِيمَا تَقَرَّرَ انْتِشَارُ الْعُرُوقِ وَمَيْلُ الْجِدَارِ وَحَيْثُ تَوَلَّى الْقَطْعَ بِنَفْسِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أُجْرَةٌ بِخِلَافِ مَا لَوْ تَوَلَّاهُ بَعْدَ أَنْ حَكَمَ الْقَاضِي عَلَيْهِ بِالتَّفْرِيغِ وَمَتَى قَطَعَ مَعَ إمْكَانِ التَّحْوِيل ضَمِنَ نَقْص قِيمَةِ الشَّجَرَةِ.
وَلَوْ دَخَلَ الْغُصْنُ الْمَائِلُ إلَى هَوَاءِ مِلْكِهِ فِي بَرْنِيَّة وَنَبَتَ فِيهِ أُتْرُجَّةٌ وَكَبُرَتْ حَتَّى تَعَذَّرَ إخْرَاجُهَا قُطِعَ الْغُصْنُ وَالْأُتْرُجَّةُ لِتَسْلَمَ الْبَرْنِيَّة لِاسْتِحْقَاقِ قَطْعِهِمَا قَبْلَ ذَلِكَ وَإِنَّمَا لَمْ يُذْبَحْ حَيَوَانُ غَيْرِهِ إذَا بَلَعَ جَوْهَرَة؛ لِأَنَّ لَهُ حُرْمَةً قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَلِلْمَالِكِ غَرْسُ الْأَشْجَارِ فِي مِلْكه وَإِنْ عَلِمَ انْتِشَار أَغْصَانهَا إلَى هَوَاء مِلْكِ جَاره ثُمَّ إذَا انْتَشَرَتْ إلَى ذَلِكَ يَأْتِي فِيهَا مَا مَرَّ وَلَوْ سَكَتَ الْمَالِك عَنْ مُطَالَبَته بِالْقَطْعِ فِيمَا مَرَّ ثُمَّ بَاعَ مِلْكه فَلِلْمُشْتَرِي مُطَالَبَته بِهِ وَاَللَّه أَعْلَم (وَسُئِلَ) عَنْ شَجَر عَلَى جِسْر بَيْن أَرْضَيْنِ أَحَدهمَا لِصَاحِبِهِ خَرَجَ مِنْهُ أَغْصَانٌ وَانْتَشَرَتْ فِي هَوَاء الْأَرْض الْأُخْرَى حَتَّى تَضَرَّرَ صَاحِبهَا بِهَا فَهَلْ تُقْطَعُ أَوْ لَا؟
(فَأَجَابَ) بِمَا حَاصِله أَنَّ جَوَابَ هَذِهِ الْمَسْأَلَة كَالْمَسْأَلَةِ السَّابِقَة فِي شَجَرَة خَرَجَتْ أَغْصَانهَا إلَى مِلْك آخَر فَأَضَرَّتْ بِشَجَرِهِ أَوْ زَرْعه، وَاَللَّه أَعْلَم.

(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ رِجَال مُشْتَرَكِينَ فِي دَارٍ فَمَالَ بَعْضهَا فَهَدَمُوهُ ثُمَّ أَعَادُوهُ بِنَقْضِهِ وَزِيَادَة فَادَّعَى أَحَدهمَا أَنَّهُ لَمْ يَأْذَن بِالْهَدْمِ وَلَا بِالْإِعَادَةِ مَا الَّذِي يَسْتَحِقّهُ هَذَا الْمُدَّعِي عَلَى الْمَذْكُورِينَ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ يُصَدَّقُ مُنْكِر الْإِذْن فِي الْهَدْم فَلَهُ عَلَى الْهَادِمِينَ بِغَيْرِ إذْن شَرْعِيّ الْأَرْش وَهُوَ مَا بَيْن قِيمَة الْجِدَار قَائِمًا مَائِلًا وَقِيمَته مَهْدُومًا وَلَيْسَ لَهُمْ عَلَيْهِ شَيْء فِي مُقَابَلَة مَا أَعَادُوهُ لَكِنْ إنْ أَعَادُوهُ بِآلَةٍ يَمْلِكُونَهَا دُونَهُ جَازَ لَهُمْ نَقْضُهَا وَإِلَّا فَلَا.

(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - خَرَجَتْ شَجَرَةٌ مِنْ مِلْكِهِ فَتَلِفَ بِظِلِّهَا زَرْعُ غَيْرِهِ هَلْ يَضْمَنُهُ أَوْ لَا؟
(فَأَجَابَ) أَفْتَى بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ يَضْمَنُهُ سَوَاءٌ أَطَلَبَ مَالِكُهَا إزَالَةَ الشَّجَرَة عَنْهُ أَمْ لَا قِيَاسًا عَلَى الْمَيَازِيبِ فَإِنَّهُ لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ طَلَبِ إزَالَتِهَا وَعَدَمِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - سُؤَالًا صُورَتُهُ سُئِلَ بَعْضُ الْمُفْتِينَ عَنْ جِدَارٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَخَافَ أَحَدُهُمَا سُقُوطَهُ فَهَدَمَهُ أَيْ بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ ثُمَّ أَعَادَهُ عَلَى الْحَالَةِ الْأُولَى أَوْ أَحْسَنَ فَهَلْ يَلْزَمُهُ شَيْء فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ نَصَّ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ مَنْ هَدَمَ جِدَارًا بَنَاهُ لَكِنْ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ إنَّهُ لَا يَلْزَمهُ الْبِنَاءُ؛ لِأَنَّ الْبِنَاءَ يَخْتَلِفُ وَيَجِبُ عَلَيْهِ أَرْشُ النَّقْصِ فَلَوْ بَنَاه كَبِنَائِهِ الْأَوَّلِ أَوْ أَحْسَنَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ دُونَهُ فَعَلَيْهِ أَرْشُ مَا نَقَصَ. اهـ.
جَوَابُهُ فَهَلْ جَوَابُكُمْ كَذَلِكَ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الْجَوَابُ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ يَحْتَاجُ لِمُقَدِّمَةٍ وَهِيَ أَنَّ أَصْحَابَنَا اخْتَلَفُوا فِي الْجِدَارِ الْمُشْرِفِ عَلَى الِانْهِدَامِ فَقَالَ جَمَاعَةٌ إذَا مَالَ الْجِدَارُ إلَى الطَّرِيقِ أَجْبَرَهُ الْحَاكِمُ عَلَى نَقْضِهِ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَلِلْمَارَّةِ نَقْضُهُ.
وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ لَوْ مَالَ وَخَشَى الْجَارُ مِنْ سُقُوطِهِ عَلَيْهِ أَوْ عَلَى مَالِهِ وَطَالَبَهُ بِهَدْمِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُفَوِّتْ عَلَيْهِ فِي الْحَالِ شَيْئًا وَانْهِدَامُهُ مَظْنُونٌ قَالَ الْقَمُولِيُّ وَمُرَادُهُ إذَا لَمْ يَدْخُلْ فِي هَوَائِهِ وَقَالَ الْمُتَوَلِّي لَوْ أَشْرَفَ الْجِدَارُ الْمُشْتَرَكُ عَلَى الِانْهِدَامِ وَخَشَى سُقُوطَهُ فِي الطَّرِيقِ وَتَضَرَّرَ النَّاسُ بِهِ أُجْبِرَ مَالِكَاهُ عَلَى نَقْضِهِ فَإِنْ طَلَبَهُ أَحَدُهُمَا أُجْبِرَ الْآخَرُ عَلَيْهِ وَفَرَّقَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا قَبْلَهُ بِأَنَّ الشَّرِيكَ يَخَافُ تَلَفَ النَّقْضِ الْمُشْتَرَكِ بِخِلَافِ الْجَارِ وَقَضِيَّةُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ النَّقْضُ مُطْلَقًا حَيْثُ بَنَاهُ مُسْتَوِيًا فَعَرَضَ لَهُ الْمَيْلُ أَوْ الِاسْتِهْدَام وَجَزَمَ بِهِ بَعْضُ مَشَايِخِنَا إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَمَتَى كَانَ هَدْمُ الشَّرِيكِ سَائِغًا بِأَنْ امْتَنَعَ شَرِيكَهُ

الصفحة 59