كتاب الفتاوى الفقهية الكبرى (اسم الجزء: 3)

فِي الْمَبْنِيِّ عَلَيْهِ اهـ.
وَقَدْ أَفْرَدَ الْجَلَالُ السُّيُوطِيّ الْمَوَاضِعَ الَّتِي صَحَّحُوا فِيهَا خِلَافَ مُقْتَضَى الْبِنَاءِ بِتَأْلِيفٍ دَالٍّ عَلَى مَزِيدِ كَثْرَتِهَا فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ الْبِنَاءِ الِاتِّحَادُ فِي التَّرْجِيحِ قَالَ وَهَذَا أَمْرٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا الِاتِّحَادُ أَكْثَرُ لَا غَيْرُ عَلَى أَنَّ مَحَلَّهُ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ فِي الْمَنْقُولِ مَا يَرُدُّهُ وَسَيَأْتِي مِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ مَا هُوَ صَرِيحٌ قَاطِعٌ فِي رَدِّهِ وَعِبَارَةُ كِفَايَتِهِ فِي تَصَدُّقِ مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ لَا يَرْجُو لَهُ وَفَاءً ثُمَّ إذَا قُلْنَا بِالتَّحْرِيمِ فَهَلْ يَمْلِكُهُ الْمُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ يَنْبَغِي فِيهِ خِلَافٌ كَالْخِلَافِ فِيمَا إذَا وَهَبَ الشَّخْصُ مَا مَعَهُ مِنْ الْمَاءِ بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ وَقِيلَ هَذَا جَازَ فِي تَصَدُّقِهِ بِجَمِيعِ مَالِهِ تَطَوُّعًا بَعْدَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ وَتَمَكُّنِهِ مِنْ أَدَائِهَا انْتَهَتْ وَسَيَأْتِي فِي الْعِبَارَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ كَلَامِ ابْنِ الرِّفْعَةِ نَفْسِهِ مَا يُنَاقِضُ مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُ هَذَا وَإِنَّ ذَاكَ مُقَدَّمٌ عَلَى هَذَا فَرَاجِعْهُ عَلَى أَنَّ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ إنَّ كَلَامَ ابْنِ الرِّفْعَةِ يَقْتَضِي ذَلِكَ لِأَنَّ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ الِاسْتِقْرَاءُ مِنْ تَخَارِيجِهِ أَنَّهُ إنَّمَا يُرِيدُ بِهَا الِاسْتِدْرَاكَ عَلَى الْأَصْحَابِ فِي حِكَايَتِهِمْ الْخِلَافَ بَيْنهمْ فِي مَسْأَلَةٍ مَعَ عَدَمِ حِكَايَةِ نَظِيرِهِ فِي نَظِيرَتِهَا فَكَأَنَّهُ يَقُولُ لَهُمْ هَذَا تَحَكُّمٌ فَيَضْطَرُّهُ الِاتِّحَادُ فِي الْمَدْرَكِ عِنْدَهُ إلَى التَّخْرِيجِ فَهُوَ لَمْ يَجْعَلْ مَحَطَّ نَظَرِهِ فِي تَخْرِيجِهِ تَأَتِّي الْخِلَافِ
وَأَنَّ الرَّاجِحَ هُنَا هُوَ الرَّاجِحُ ثُمَّ وَإِنَّمَا مَحَطُّهُ مُجَرَّدُ تَأَتِّي الْخِلَافِ كَمَا يُعْلَمُ ذَلِكَ مَنْ تَتَبُّعِ تَخَارِيجِهِ وَمِنْ ثَمَّ أَكْثَرَ مِنْهَا حَتَّى قِيلَ إنَّهُ زَادَ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ الثُّلُثَ أَيْ بِاعْتِبَارِ الْأَوْجُهِ الَّتِي خَرَّجَهَا وَحَتَّى كَادَ أَنْ يُعَدَّ مَعَ أَصْحَابِ الْأَوْجُهِ لِانْفِرَادِهِ مِنْ بَيْنِ الْمُتَأَخِّرِينَ بِمَرْتَبَةِ ذَلِكَ التَّخْرِيجِ بَعْدَ انْقِطَاعِهَا بِانْقِطَاعِ أَصْحَابِ الْأَوْجُهِ وَمِنْ ثَمَّ لُقِّبَ بِالْفَقِيهِ دُون غَيْرِهِ بَلْ بَالَغَ بَعْضُهُمْ فَعَدَّهُ مَعَ أَصْحَابِ الْأَوْجُهِ وَأَبَى أَنْ يَعُدَّ الْغَزَالِيَّ وَإِمَامَهُ مِنْهُمْ وَلَكَ أَنْ تَقُولَ جَوَابًا عَنْ الْأَصْحَابِ لَا أُسَلِّمُ ذَلِكَ التَّخْرِيجَ بَلْ أَمْنَعُهُ وَأُفَرِّقُ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ بِأَنَّ مَسْأَلَةَ الْمَاءِ لَيْسَ الْمَدَارُ فِيهَا عَلَى التَّبَرُّعِ وَلَا عَدَمِهِ بِدَلِيلِ بُطْلَانِ الْبَيْعِ فِيهَا أَيْضًا وَإِنْ كَانَ بِأَضْعَافِ الْقِيمَةِ وَإِنَّمَا الْمَدَارُ فِيهَا عَلَى تَفْوِيتِ عَيْنٍ تَعَلَّقَ بِهَا حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فَلَمْ يَصِحَّ التَّصَرُّفُ فِيهَا الْمُفَوِّتُ لِذَلِكَ الْحَقِّ كَبَيْعِ الْمَالِ الزَّكَوِيِّ بَعْدَ الْحَوْلِ عَلَى مَا عَدَا قَوْلَ الشَّرِكَةِ وَقَدْ صَرَّحَ جَمْعٌ بِأَنَّ مِنْ شُرُوطِ صِحَّةِ الْبَيْعِ أَنْ لَا يَتَعَلَّقَ بِعَيْنِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى أَوْ لِآدَمِيٍّ وَمَثَّلُوا بِأَمْثِلَةٍ مِنْهَا مَسْأَلَةَ الْمَاءِ الْمَذْكُورَةِ وَأَمَّا مَسْأَلَةُ التَّصَدُّقِ فَلَيْسَ الْمَدَارُ فِيهَا إلَّا عَلَى التَّبَرُّعِ بِدَلِيلِ صِحَّة بَيْعِ الْمَدِينِ الَّذِي يَحْرُمُ عَلَيْهِ الصَّدَقَةُ لِأَعْيَانِ مَالِهِ بِثَمَنِ مِثْلِهَا إجْمَاعًا فَتَأَمَّلْ بُعْدَ مَا بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ وَالْمَلْحَظَيْنِ وَوَجْهُ ذَلِكَ فِي مَسْأَلَةِ التَّصَدُّقِ أَنَّ الْحَقَّ الَّذِي فِيهَا وَهُوَ الدَّيْنُ مُتَعَلِّقٌ بِالذِّمَّةِ دُونَ الْعَيْنِ
إذْ لَا يَتَعَلَّقُ الدَّيْنُ بِأَعْيَانِ مَالِ الْمَدِينِ الْمُفْلِسِ حَتَّى يَبْطُلَ تَصَرُّفُهُ فِيهَا إلَّا بِالْحَجْرِ كَمَا يَأْتِي عَنْ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ بَلْ وَعَنْ ابْنِ الرِّفْعَةِ نَفْسِهِ وَدَعْوَى الْمُفْتِي وَمَنْ تَبِعَهُ أَنَّ مُجَرَّدَ الْإِفْلَاسِ يُوجِبُ التَّعْلِيقَ بِالْعَيْنِ سَيَتَّضِحُ مِنْ كَلَامِهِمْ رَدُّهَا بَلْ تَزْيِيفُهَا وَإِذَا تَقَرَّرَ تَعْلِيقُهُ بِالذِّمَّةِ وَحْدَهَا لَمْ يَكُنْ لِبُطْلَانِ التَّصَرُّفِ فِي الْأَعْيَانِ الَّتِي لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهَا وَجْهٌ أَصْلًا وَأُمًّا مَلْحَظُ الْحُرْمَةِ الَّتِي صَرَّحُوا بِهَا فَلَيْسَ هُوَ ذَلِكَ التَّعَلُّقَ وَإِنَّمَا هُوَ كَوْنُهُ سَعْيًا فِي ضَرَرِ الْغَيْرِ بِتَفْوِيتِ مَا يُؤَدِّي مِنْهُ مَالَهُ الْمُسْتَقِرَّ فِي الذِّمَّةِ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ تَجِدْهُ فَرْقًا ظَاهِرًا لَا غُبَارَ عَلَيْهِ وَبِهِ يَتَبَيَّنُ لَك ضَعْفُ ذَلِكَ التَّخْرِيجِ وَصَوَابُ مَا سَلَكَهُ الْأَصْحَابُ مِنْ حِكَايَتِهِمْ الْخِلَافَ فِي مَسْأَلَةِ التَّيَمُّمِ وَتَصْحِيحِ الْبَطَلَانِ فِيهَا وَعَدَمِ حِكَايَتِهِمْ نَظِيرَهُ فِي مَسْأَلَةِ التَّصَدُّقِ فَضْلًا عَنْ التَّصْرِيحِ بِبُطْلَانِ التَّصَرُّفِ وَشُذُوذِ مَا سَلَكَهُ الْقَائِلُونَ بِبُطْلَانِ تَبَرُّعِ الْمَدِينِ أَخْذًا مِنْ هَذَا التَّخْرِيجِ فَإِنَّ قُلْت إذَا كَانَ مَلْحَظُ الْبُطْلَانِ فِي مَسْأَلَةِ الْمَاءِ مَا ذَكَرْت مِنْ التَّعْلِيقِ بِالْعَيْنِ فَأَيُّ وَجْهٍ لِلْخِلَافِ حِينَئِذٍ قُلْت كَوْنُ مَلْحَظِ الْبُطْلَانِ مَا ذَكَرَ لَا يَقْتَضِي أَنَّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا هُوَ حِكَايَةُ عِلَّةِ الْأَصَحِّ وَأَمَّا الْوَجْهُ الثَّانِي الْقَائِلُ بِالصِّحَّةِ فَوَجْهُ مَا قَالَهُ بِأَنَّهُ مِلْكُهُ وَالْمَنْعُ لَا يَرْجِعُ إلَى مَعْنًى فِي الْعَقْدِ فَإِنَّ قُلْت مَا وَجْهُ رَدِّ عِلَّتِهِ مَعَ ظُهُورِهَا وَمَعَ مَا هُوَ الْمَشْهُورُ أَنَّ الضَّعِيفَ لَا يُعَلِّلُ وَلَا يَقِيسُ إلَّا بِمَا يُوَافِقُهُ عَلَيْهِ الْأَصَحُّ قُلْت أَمَّا كَوْنُ الْمَشْهُورِ ذَلِكَ فَإِنْ أُرِيدَ أَنَّهُ بِاعْتِبَارِ الْغَالِبِ فَصَحِيحٌ
وَإِلَّا فَقَدْ يُعَلِّلُ وَيَقِيسُ بِمَا يُدَّعَى ظُهُورُهُ وَأَنَّهُ لِذَلِكَ يَلْزَمُ مُقَابِلَهُ الْقَوْلُ

الصفحة 6