كتاب الفتاوى الفقهية الكبرى (اسم الجزء: 3)

وَحَكَمَ لَهُ حَاكِمٌ بِهِ مِنْ غَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ أَرْشُ نَقْصِ حِصَّةِ شَرِيكِهِ وَإِلَّا لَزِمَهُ بِأَنْ يُقَوَّمَ الْجِدَارُ قَائِمًا وَمَهْدُومًا وَيُنْظَرَ لِلتَّفَاوُتِ بَيْنَهُمَا فَيَلْزَمُهُ حِصَّةُ شَرِيكِهِ هَذَا مَا يَتَعَلَّقُ بِهَدْمِهِ وَأَمَّا مَا يَتَعَلَّقُ بِإِعَادَتِهِ فَتَارَةً يُعِيدُهُ بِآلَةِ نَفْسِهِ وَتَارَةً يُعِيدُهُ بِالْآلَةِ الْمُشْتَرَكَةِ فَإِنْ أَعَادَهُ بِآلَةِ نَفْسِهِ كَانَ الْمُعَادُ مِلْكَهُ يَضَعُ عَلَيْهِ مَا شَاءَ وَيَنْقُضُهُ إذَا شَاءَ وَلِلشَّرِيكِ الْآخَرِ هَدْمُهُ إنْ بَنَاهُ شَرِيكُهُ قَبْلَ امْتِنَاعِهِ مِنْ الْبِنَاءِ وَإِنْ أَعَادَهُ بِالْآلَةِ الْمُشْتَرَكَةِ فَهُمَا بَاقِيَانِ عَلَى مِلْكِهِمَا لَهُ وَلَا رُجُوعَ لِلْمُعِيدِ بِشَيْءٍ عَلَى صَاحِبِهِ؛ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ بِالْإِعَادَةِ وَمَا غَرِمَهُ لَهُ مِنْ أَرْشِ الْهَدْمِ يَفُوزُ بِهِ الْآخَرُ بَلْ لَهُ عَلَيْهِ أَيْضًا أَرْشُ نَقْصِ حِصَّتِهِ مِنْ الْهَدْمِ إنْ نَقَصَتْ مُنْهَدِمَةً عَنْهَا مَبْنِيَّةً إلَّا أَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ قِيمَتَهَا مَبْنِيَّةً تَزِيدُ عَلَيْهَا مُنْهَدِمَةً عَلَى أَنَّ الْفَرْضَ فِي السُّؤَالِ أَنَّهُ أَعَادَهُ كَمَا كَانَ أَوْ لَا أَوْ أَحْسَنَ فَعُلِمَ بِهَذَا التَّفْصِيلِ الْمَأْخُوذِ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّ مَا أَطْلَقَهُ الْمُفْتِي الْمَذْكُورُ يَحْتَاجُ إلَى هَذَا التَّقْيِيدِ وَالتَّفْصِيلِ الَّذِي ذَكَرْته، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(مَسْأَلَةٌ) شَخْصٌ أَخَذَ مِنْ مَالِ أَبِيهِ فِي حَيَاتِهِ مَبْلَغًا مَجْهُولَ الْعَدَدِ مِنْهُ فِضَّةٌ مُخْتَلِفَةُ الضَّرْبِ وَالصِّفَةِ وَالْوَزْنِ وَمِنْهُ ذَهَبٌ مُخْتَلِفُ النَّوْعِ ثُمَّ تُوُفِّيَ وَالِدُهُ وَخَلَّفَ وَلَدًا غَيْرَهُ فَقَالَ الْوَلَدُ الْمَذْكُورُ لِأَخِيهِ الْآخِذِ الْمَذْكُورَ أَنْتَ أَخَذْت مِنْ مَالِ أَبِينَا عِشْرِينَ أَلْفًا مِنْ الْأَشْرَفِيَّةِ مِنْهَا مَا هُوَ فِضَّةٌ مُخْتَلِفَةُ الضَّرْبِ وَالصِّفَةِ وَالْوَزْنِ وَمِنْهَا مَا هُوَ ذَهَبٌ مُخْتَلِفُ النَّوْعِ فَأَنْكَرَ الْآخِذُ أَخْذَ الْقَدْرِ الْمَذْكُورِ وَقَالَ إنَّمَا أَخَذْت تِسْعَةَ آلَافٍ مَثَلًا مِنْهَا مَا هُوَ فِضَّةٌ مُخْتَلِفَةُ الضَّرْبِ وَالصِّفَةِ وَالْوَزْنِ وَمِنْهَا مَا هُوَ ذَهَبٌ مُخْتَلِفُ النَّوْعِ فَطَالَ النِّزَاعُ بَيْنَهُمَا فِي ذَلِكَ ثُمَّ أَنَّهُمَا تَصَالَحَا عَلَى أَنَّ الْآخِذَ يَدْفَعُ لِأَخِيهِ الْمَذْكُورِ أَلْفًا وَخَمْسمِائَةِ أَشْرَفِيّ مِنْ الْفِضَّةِ السُّلَيْمَانِيَّة الْمُتَّفِقَةِ الضَّرْبِ وَالصِّفَةِ وَتَكُونُ مُؤَجَّلَةً فِي ذِمَّةِ الْآخِذِ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ وَلَمْ يَجْرِ بَيْنَهُمَا تَقَابُضٌ فِي الْمَجْلِسِ فَهَلْ هَذَا الصُّلْحُ صَحِيحٌ أَمْ لَا وَإِذَا ضَمِنَ الْآخِذَ شَخْصٌ فِي الْمَبْلَغِ الْمُؤَجَّلِ الَّذِي وَقَعَ الصُّلْحُ عَلَيْهِ فَهَلْ يَكُونُ الضَّمَانُ صَحِيحًا أَمْ لَا (الْجَوَابُ) هَذَا الصُّلْحُ بَاطِلٌ مِنْ وُجُوهٍ أَحَدُهَا أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَمَّا أَقَرَّ بِالتِّسْعَةِ آلَافٍ الْمَذْكُورَةِ لَمْ يُبَيِّنْ كَمْ قَدْرُ الْفِضَّةِ مِنْهَا وَلَا كَمْ قَدْرُ الذَّهَبِ وَلَا بَيَّنَ أَنْوَاعَ كُلٍّ مِنْهُمَا وَلَا صِفَاتِهَا الْمُخْتَلِفَةِ وَحِينَئِذٍ فَهِيَ مُبْهَمَةٌ وَالصُّلْح عَنْ الْمُبْهَمِ عِنْدَ الْمُتَصَالِحَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا بَاطِلٌ كَمَا يُفِيدُهُ قَوْلُ أَصْحَابِنَا إنَّ الصُّلْحَ عَنْ الْمَجْهُولِ لَا يَصِحُّ وَأَمَّا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ شَيْئًا مُجْمَلًا وَأَقَرَّ لَهُ بِهِ وَصَالَحَهُ عَنْ عِوَضٍ صَحَّ فَحَمَلَهُ أَصْحَابُهُ كَالشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَغَيْرِهِ عَلَى مَا إذَا كَانَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ مَعْلُومًا لِلْمُتَصَالِحِينَ فَحِينَئِذٍ يَصِحُّ الصُّلْحُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ مَجْهُولًا لَهُمَا أَوْ لِأَحَدِهِمَا فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ الصُّلْحُ ذَكَرَ ذَلِكَ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا ثَانِيهَا أَنَّهُ صَالِحٌ مِنْ الْحَالِّ عَلَى مُؤَجَّلٍ وَهُوَ بَاطِلٌ أَيْضًا فَفِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا وَغَيْرُهُمَا لَوْ أَتْلَفَ عَلَيْهِ شَيْئًا قِيمَتُهُ دِينَارٌ فَصَالَحَهُ عَنْهُ بِعِوَضٍ مُؤَجَّلٍ لَمْ يَصِحَّ الصُّلْحُ فَإِنْ قُلْت يُنَافِي ذَلِكَ قَوْلَهُمَا أَيْضًا لَوْ صَالَحَهُ مِنْ أَلْفٍ حَالَّةٍ عَلَى خَمْسِمِائَةٍ مُؤَجَّلَة فَهَذَا لَيْسَ مِنْ الْمُعَاوَضَةِ فِي شَيْءٍ بَلْ هُوَ مُسَامَحَةٌ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا حَطّ خَمْسِمِائَةٍ وَالثَّانِي إلْحَاقُ أَجَلٍ بِالْبَاقِي وَالْأَوَّلُ سَائِغٌ فَيَبْرَأُ مِنْ خَمْسِمِائَةٍ وَالثَّانِي وَعْدٌ لَا يَلْزَمُ فَلَهُ الْمُطَالَبَةُ بِالْبَاقِي فِي الْحَالِ. اهـ.
قُلْت لَا مُنَافَاةَ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ فِي صُلْحِ الْمُعَاوَضَةِ فَهُوَ أَنَّ الصَّالِح عَلَى غَيْرِ الْمُدَّعِي فَإِذَا صَالَحَ مِنْ عَيْنٍ أَوْ دَيْنٍ عَلَى عَيْنٍ أَوْ دَيْنٍ كَانَ بَيْعًا فَيُشْتَرَطُ فِيهِ أَحْكَامُهُ وَمِنْهَا أَنَّهُ يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ عِوَضِ الدَّيْنِ فِي الْمَجْلِسِ وَكَذَا قَبْضُهُ فِيهِ إنْ كَانَ الْعِوَضَانِ رِبَوِيَّيْنِ وَأَنَّهُ لَا يَصِحُّ بِالْمُؤَجَّلِ عَنْ الْحَال وَلَا عَكْسُهُ وَأَمَّا الثَّانِي فَهُوَ فِي صُلْحِ الْحَطِيطَةِ وَهُوَ أَنْ يُصَالِحَ عَلَى بَعْضِ الْمُدَّعَى عَيْنًا كَانَ أَوْ دَيْنًا كَصَالَحْتُكَ مِنْ الْأَلْفِ الَّتِي عَلَيْك عَلَى خَمْسِمِائَةٍ فِي الذِّمَّةِ وَكَذَا إنْ كَانَتْ مُعَيَّنَةً كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الشَّيْخَيْنِ وَصَرَّحَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ وَقَوْلُ الْإِمَامِ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ تَعْيِينَهَا يَقْتَضِي كَوْنَهَا عِوَضًا فَيَصِيرُ بَائِعًا الْأَلْفَ بِخَمْسِمِائَةٍ أَشَارَ الرَّافِعِيُّ إلَى رَدِّهِ بِأَنَّ الصُّلْحَ مِنْهُ عَلَى بَعْضِهِ إبْرَاءٌ لِلْبَعْضِ وَاسْتِيفَاءٌ لِلْبَاقِي. اهـ.
وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ صُلْحَ الْحَطِيطَةِ هِبَةٌ لِبَعْضِ الْعَيْنِ وَإِبْرَاءً عَنْ بَعْضِ الدَّيْنِ فَإِنْ كَانَ بِلَفْظِ الصُّلْحِ وَجَبَ الْقَبُولُ فِيهِمَا وَقَبْضُ الْمَوْهُوبِ بِالْإِذْنِ

الصفحة 60