كتاب الفتاوى الفقهية الكبرى (اسم الجزء: 3)
عَقَارٌ وَفِيهِ عُلُوٌّ فَآلَ الْعُلُوُّ إلَى السُّقُوطِ وَتَضَرَّرَ مِنْهُ الْجَارُ وَالْمَارُّ فَأَرَادَ الشَّخْصُ أَنْ يَهْدِمَهُ فَلَمْ يُمْكِنْهُ إلَّا بِعِمَارَةِ شَيْءٍ فِي الْعَقَارِ الْمَذْكُورِ يَصْعَدُ مِنْهُ إلَيْهِ فَعَمَّرَهُ بِغَيْرِ إذْنِهِمْ وَهَدَمَ الْعُلُوّ أَيْضًا بِغَيْرِ إذْنِهِمْ وَبِغَيْرِ إذْنِ حَاكِمٍ وَإِنَّمَا هُوَ بِمُجَرَّدِ تَضَرُّرِ مَنْ ذُكِرَ فَهَلْ وَقَعَ ذَلِكَ فِي مَحَلِّهِ وَيُحْسَبُ لَهُ مَا صَرَفَهُ لِلْعِمَارَةِ وَالْهَدْمِ وَإِذَا عَمَّرَ فِي الْمَكَانِ الْمَذْكُورِ شَيْئًا بِغَيْرِ إذْنِهِمْ فَهَلْ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَيْهِمْ وَإِذَا كَانَ تَحْتَ يَدِهِ شَيْءٌ لَمْ يَعْلَمُوا بِهِ فَصَرَفَهُ عَلَى الْمَكَانِ ثُمَّ آلَ إلَى التَّلَفِ بِالْكُلِّيَّةِ فَهَلْ يَبْرَأُ بِذَلِكَ وَيَسْقُطُ حَقُّهُ مِنْ الْعِمَارَةِ أَمْ لَا؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الْهَدْمُ الْمَذْكُورُ فِيهَا لَمْ يَقَعْ فِي مَحَلِّهِ وَلَا يُحْسَبُ لَهُ مَا صَرَفَهُ لِلْعِمَارَةِ وَالْهَدْمِ وَلَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَيْهِمْ بِمَا عَمَّرَهُ مِنْ غَيْرِ إذْنِهِمْ وَلَا يَبْرَأُ بِمَا صَرَفَهُ مِمَّا تَحْتَ يَدِهِ لَهُمْ لَكِنَّ الْآلَةَ الَّتِي عَمَّرَ بِهَا عَلَى مِلْكِهِ فَلَهُ هَدْمُهَا وَالرُّجُوعُ فِي أَعْيَانِهَا.
(وَسُئِلَ) عَمَّا إذَا تَنَازَعَا عَيْنًا ثُمَّ تَصَالَحَا عَلَيْهَا بَعْدَ إقْرَارِ أَحَدِهِمَا أَنَّهَا لِلْآخَرِ فَإِذَا مَضَى لَهَا مُدَّةٌ تَحْت يَدِ الْمُقِرِّ وَلَمْ يَتَعَرَّضَا فِي الصُّلْحِ لِذِكْرِ الْأُجْرَةِ فَهَلْ تَلْزَمُ الْمُقِرَّ أَمْ لَا؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إنْ تَقَدَّمَتْ الْمُدَّةُ عَلَى الْإِقْرَارِ فَلَا أُجْرَةَ إذْ يَكْفِي فِي صِدْقِ الْإِقْرَارِ الْمُطْلَقِ سَبْقُ الْمِلْكِ عَلَيْهِ بِلَحْظَةِ وَإِنْ تَأَخَّرَتْ عَنْهُ وَتَضْمَنُ مَا يَقْتَضِي وُجُوبَ أُجْرَتِهَا فَالصُّلْحُ عَلَى مُجَرَّدِ الْعَيْنِ لَا يَتَنَاوَلُ الْأُجْرَةَ الْوَاجِبَة بِسَبَبِهَا فَيَجِبُ.
(وَسُئِلَ) عَنْ امْرَأَةٍ تُوُفِّيَتْ عَنْ زَوْجٍ وَبِنْتٍ وَأُمٍّ وَلَهَا حِصَّةٌ فِي عَقَارَاتٍ فَصَالَحَتْ الْأُمُّ الزَّوْجَ عَنْ حِصَّتِهِ وَحِصَّةِ بِنْتِهِ بَعْدَ إخْفَائِهَا مُسْتَنَد الْمَيِّتَة وَأَبْرَأهَا الزَّوْجُ عَنْ حَقِّهِمَا؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الصُّلْحُ إنْ وَقَعَ بَعْدَ إنْكَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَهُوَ بَاطِلٌ أَوْ بَعْد إقْرَارِهِ أَوْ إقَامَةِ بَيِّنَةٍ بِالْحَقِّ صَحَّ فِي نَصِيبِ الزَّوْجِ وَبَطَلَ فِي نَصِيب بِنْتِهِ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ لَهَا فِيهِ حَظٌّ وَالْأَصَحُّ أَيْضًا وَأَمَّا الْإِبْرَاءُ هُنَا فَبَاطِلٌ إذْ الْمُبَرَّأُ مِنْهُ عَيْنٌ لَا دَيْنٌ.
(وَسُئِلَ) عَمَّنْ هَلَكَ عَنْ زَوْجَةٍ وَلَهَا عَلَيْهِ حَقٌّ وَكَسَاوِي فَعَوَّضَهَا أَخُوهُ شَيْئًا مِنْ مَالِهِ وَلَيْسَ بِوَصِيٍّ فَهَلْ يَصِحُّ وَإِذَا أَبْرَأَتْهُ بِسَبَبِ ذَلِكَ فَهَلْ تَصِحُّ الْبَرَاءَةُ أَوْ لَا؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إنْ كَانَ الْأَخُ الْمُعَوِّضُ وَارِثًا وَعَلِمَ هُوَ وَهِيَ أَنَّ مَا تَعَوَّضَتْ عَنْهُ يَنْقُصُ عَنْ حَقِّهَا أَوْ يُسَاوِيهِ صَحَّ التَّعْوِيضُ فِي حِصَّتِهِ وَإِلَّا فَلَا يُعْتَدُّ بِهِ وَكَذَا لَوْ جَهِلَتْ الْقَدْر الْمُبَرَّأ مِنْهُ.
(وَسُئِلَ) هَلْ يَجُوز التَّوْكِيلُ فِي اسْتِيفَاء الْحَقِّ وَالصُّلْحِ أَوْ لَا لِقَوْلِهِ فِي الْأَنْوَارِ وَلَوْ وَكَّلَهُ فِي الْخُصُومَة وَأَجَازَ صُلْحَهُ وَإِقْرَارَهُ بَطَل التَّوْكِيلُ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ يَجُوزُ التَّوْكِيل فِي اسْتِيفَاء الْحَقِّ وَالصُّلْحُ عَنْهُ كَمَا ذَكَرُوهُ وَلَا يُنَافِيهِ مَا ذَكَرَ عَنْ الْأَنْوَارِ إنْ سُلِّمَ أَنَّهُ فِيهِ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَوْ وَكَّلَهُ فِي الْخُصُومَةِ وَلَمْ يَنُصَّ لَهُ عَلَى صُلْحٍ وَلَا إقْرَارٍ فَتَعَدَّى وَصَالَحَ أَوْ أَقَرَّ عَنْ مُوَكِّله بَطَلَ تَوْكِيلُهُ فِي تِلْكَ الْخُصُومَةِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الرَّوْضَة لِبُطْلَانِ مَا فَعَلَهُ بِتَعَدِّيهِ مِنْ الصُّلْحِ وَالْإِقْرَارِ عَلَى أَنَّ التَّوْكِيلَ فِي الْإِقْرَار لَا يَصِحُّ وَإِنْ نَصَّ لَهُ الْمُوَكِّلُ عَلَى ذَلِكَ.
(وَسُئِلَ) عَمَّنْ أَحْدَثَ وَفَتَحَ فِي جِدَاره نَقْبًا إلَى زُقَاق ضَيِّق مِنْ شَوَارِع الْمُسْلِمِينَ وَحَمَلَ جِيرَانَهُ وَرَكَّبَ عَلَى النَّقْبِ فِي هَوَاء الشَّارِعِ بَرْبَخًا وَسَلَّطَ عَلَى هَذَا الشَّارِعِ الضَّيِّقِ مِيَاهَ بَيْتِهِ مِنْ الطُّهْرِ وَغَيْرِهِ وَرَكَّبَ فَوْق الْبَرْبَخِ خَارِجَ الْجِدَار أَلْوَاحًا مِنْ الْخَشَب لِحِفْظِ الْبَرْبَخِ عَنْ الْكَسْرِ وَتَضَرَّرَ بِذَلِكَ الْمُسْلِمُونَ وَجِيرَانُهُ الْمَارُّونَ فِي هَذَا الزُّقَاقِ بِسَبَبِ مَا يَنْزِل مِنْ الْمِيَاهِ النَّجِسَةِ وَاَلَّذِي أَحْدَثه مِنْ النَّقْبِ الْمَذْكُورِ إحْدَاثٌ مِنْهُ وَبِدْعَةٌ صَدَرَتْ عَنْهُ لَمْ تَكُنْ مِنْ قَبْلُ أَبَدًا فَهَلْ لَهُ إحْدَاث هَذَا الْأَمْرِ الْمُضِرِّ لِلْجِيرَانِ وَالْمُسْلِمِينَ الْمَارِّينَ فِي هَذَا الزُّقَاقِ وَهَلْ لِحَاكِمِ الشَّارِعِ زَجْرُهُ وَمَنْعُهُ عَنْ ذَلِكَ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَيْسَ لَهُ إحْدَاث مَا ذُكِرَ فِي الشَّارِعِ الضَّيِّقِ إذَا تَضَرَّرَ بِهِ الْمَارَّةُ تَضَرُّرًا لَا يُحْتَمَل عَادَةً كَمَا أَفْهَمَهُ كَلَامُهُمْ سِيَّمَا كَلَامَ الْمِنْهَاجِ فَإِنَّهُ قَالَ الطَّرِيقُ النَّافِذ لَا يُتَصَرَّفُ فِيهِ بِمَا يَضُرُّ الْمَارَّة قَالَ فِي دَقَائِقِهِ وَتَعْبِيرِي بِمَا يَضُرُّ الْمَارَّةَ أَعَمُّ مِنْ قَوْلِ غَيْرِي بِمَا يُبْطِلُ الْمُرُورَ. اهـ. وَمُرَادُهُ بِالضَّرَرِ مَا ذَكَرْته لِتَصْرِيحِهِمْ بِأَنَّهُ يُغْتَفَرُ فِيهِ الضَّرَرُ الْخَفِيف الَّذِي لَا يَدُوم كَإِلْقَاءِ نَحْو الْحِجَارَةِ لِلْعِمَارَةِ.
وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَفِي عِبَارَة الْمِنْهَاج شُمُولٌ لِمَا ذَكَرْنَاهُ أَيْ مِنْ أَنَّ مَا أَضَرَّ بِهِمْ ضَرَرًا لَا يُحْتَمَلُ، يُمْنَعُ مِنْهُ وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ بِهِ الدَّوَامَ كَحَفْرِ الْقَنَاةِ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ وَالرَّشِّ الْمُفْرِط وَغَيْر ذَلِكَ مِمَّا لَا يُحْتَمَلُ ضَرَره
الصفحة 63
378