كتاب الفتاوى الفقهية الكبرى (اسم الجزء: 3)
بِهِ وَبِذَلِكَ صَرَّحَ الرَّافِعِيُّ فِي الْوَصَايَا وَالِاسْتِقْرَاءُ التَّامُّ قَاضٍ بِذَلِكَ وَإِنْ أُرِيدَ أَنَّهُ أَمْرٌ مُطَّرِدٌ فَمَمْنُوعٌ بِدَلِيلِ الِاسْتِقْرَاءِ الْقَطْعِيِّ لِأَنَّا نَجِدُ الضَّعِيفَ كَثِيرًا مَا يُعَلِّلُ وَيَقِيسُ بِمَا يَقُولُ بِهِ هُوَ دُون الْأَصَحِّ وَأَمَّا وَجْهُ رَدِّ عِلَّتِهِ فَهُوَ أَنَّهَا عِنْدَ التَّحْقِيقِ لَا تُنْتِجُ مَا قَالَهُ مِنْ الصِّحَّةِ لِأَنَّهُ لَا يَكْفِي فِيهِ مُجَرَّدُ الْمِلْكِ وَلَا انْتِفَاءُ كَوْنِ الْمَنْعِ لَا يَرْجِعُ لِمَعْنًى فِي الْعَقْدِ بَلْ لَا بُدَّ مَعَ الْمِلْكِ وَانْتِفَاءِ ذَلِكَ مِنْ شُرُوطٍ أُخْرَى كَالْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ وَالتَّسَلُّمِ شَرْعًا وَحِسًّا عَلَى أَنَّ زَعْمَهُ أَنَّ الْمَنْعَ هُنَا لَا يَرْجِعُ إلَى مَعْنَى فِي الْعَقْدِ غَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّ مُرَادَهُمْ بِالْمَنْعِ الرَّاجِعِ إلَى مَعْنًى فِي الْعَقْدِ مَا يَرْجِعُ إلَى مَعْنًى فِي ذَاتِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ أَوْ لَازِمِهِ وَلَا شَكَّ أَنَّ مَا هُنَا كَذَلِكَ لِأَنَّ تَعَلُّقَ الْحَقِّ بِالْعَيْنِ يُوجِبُ عَجْزَ الْعَاقِدِينَ عَنْ التَّسْلِيمِ وَالتَّسَلُّمِ وَذَلِكَ الْعَجْزُ مُبْطِلٌ لِلْبَيْعِ لِرُجُوعِهِ إلَى مَعْنًى مُتَعَلِّقٍ بِذَاتِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ هُوَ الْعَجْزُ عَنْ تَسْلِيمِهَا أَوْ تَسَلُّمِهَا وَقَدْ مَرَّ عَنْ الْأَئِمَّةِ أَنَّهُمْ جَعَلُوا مَسْأَلَةَ الْمَاءِ مِنْ الْمَعْجُوزِ عَنْ تَسْلِيمِهِ وَتَسَلُّمِهِ شَرْعًا وَهُوَ كَالْمَعْجُوزِ عَنْهُ حِسًّا وَبَيَّنُوا وَجْهَ الْعَجْزِ عَنْ تَسْلِيمِهِ شَرْعًا بِأَنَّهُ تَعَيَّنَ لِلطُّهْرِ بِهِ إذْ الصَّلَاةُ لَهَا وَقْتٌ مَحْدُودٌ فَلَوْ صَحَّحْنَا ذَلِكَ لَأَدَّى إلَى جَوَازِ إخْرَاجِ فِعْلِهَا بِالْوُضُوءِ عَنْهُ
فَإِنْ قُلْت يُعَارِضُ ذَلِكَ أَنَّ النَّوَوِيَّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ لَمْ يَجْعَلْ مَنْشَأَ الْبُطْلَانِ عَلَى الْأَصَحِّ إلَّا كَوْنَ التَّسْلِيمِ حَرَامًا وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِكَوْنِ الْحَقِّ مُتَعَلِّقًا بِالْعَيْنِ وَعِبَارَتُهُ كَمَا يَأْتِي بِسَوَابِقِهَا وَلَوَاحِقِهَا أَصَحُّهُمَا لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ وَلَا الْهِبَةُ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ حَرَامٌ فَهُوَ عَاجِزٌ شَرْعًا وَهُوَ كَالْعَاجِزِ حِسًّا انْتَهَتْ وَإِذَا كَانَتْ الْعِلَّةُ حُرْمَةَ التَّسْلِيمِ فَالصَّدَقَةُ إذًا حُرِّمَتْ كَذَلِكَ وَبِهَذَا يَتَأَيَّدُ تَخْرِيجُ ابْنِ الرِّفْعَةِ وَيَبْطُلُ الْفَرْقُ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ قُلْت لَا يُعَارِضُهُ بِوَجْهٍ لِمَا قَدَّمْته أَنَّ حُرْمَةَ التَّسْلِيمِ فِي مَسْأَلَةِ الْمَاءِ لَيْسَ لِكَوْنِهِ تَبَرُّعًا وَإِلَّا لَمَا تَسَاوَى الْبَيْعُ وَالْهِبَةُ فَتَعَيَّنَ أَنَّهُ لِكَوْنِهِ تَفْوِيتًا لِلْحَقِّ الْمُتَعَلِّقِ بِعَيْنِ الْمَاءِ الْمُقْتَضِي لِلْحَجْرِ عَلَيْهِ فِيهَا شَرْعًا كَمَا صَرَّحُوا بِهِ حَتَّى تَرْجِعَ الْحُرْمَةُ إلَى مَعْنًى مُتَعَلِّقٍ بِذَاتِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ أَوْ لَازِمِهِ إذْ لَا تَقْتَضِي الْحُرْمَةُ الْإِبْطَالَ إلَّا إنْ رَجَعَتْ لِذَلِكَ وَحِينَئِذٍ اتَّضَحَ تَفْرِيعُ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ الْعَجْزَ عَلَى الْحُرْمَةِ وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الصَّدَقَةِ فَالْحُرْمَةُ لَيْسَتْ فِيهَا إلَّا لِكَوْنِهَا تَبَرُّعًا وَهَذَا أَمْرٌ خَارِجٌ عَنْ ذَاتِ الْعَيْنِ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِهَا أَصْلًا وَإِذَا رَجَعَتْ الْحُرْمَةُ فِي الْعَقْدِ إلَى خَارِجٍ عَنْهُ وَعَنْ لَازِمِهِ لَا تَقْتَضِي الْبُطْلَانَ كَمَا قَرَّرُوهُ وَحِينَئِذٍ فَلَا وَجْهَ لِبُطْلَانِ نَحْوِ الصَّدَقَةِ وَلَا لِتَخْرِيجِ ابْنِ الرِّفْعَةِ وَلَا مُعَارَضَةَ بَيْنَ مَا ذَكَرْته وَمَا فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ بَلْ فِيهِ التَّصْرِيحُ بِصِحَّةِ نَحْوِ هِبَةِ وَعِتْقِ الْمَدْيُونِ كَمَا يَأْتِي بِمَا فِيهِ وَمِمَّا يُبْطِلُ تَخْرِيجَ ابْنِ الرِّفْعَةِ أَيْضًا مَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ نَفْسُهُ وَاقْتَضَاهُ كَلَامُ الشَّيْخَيْنِ
كَمَا فِي الْخَادِمِ وَهُوَ ظَاهِرٌ أَنَّهُ لَا خِلَافُ فِي مَسْأَلَةِ الْمَاءِ فِي حُرْمَةِ الْبَذْلِ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي صِحَّةِ التَّصَرُّفِ مَعَ مَا هُوَ مُقَرَّرٌ مِنْ الْخِلَافِ الشَّهِيرِ فِي الْحُرْمَةِ فِي مَسْأَلَةِ الصَّدَقَةِ فَعَلِمْنَا أَنَّ وَجْهَ الْحُرْمَةِ ثَمَّ غَيْرُهُ هُنَا وَإِلَّا لَاتَّحَدَا فِي الْخِلَافِ أَوْ عَدَمِهِ وَأَنَّهَا ثَمَّ أَقْوَى مِنْهَا هُنَا وَبِهَذَا يَتَّضِحُ رَدُّ مَا يَأْتِي عَنْ الْأَذْرَعِيِّ أَنَّهُ يَنْبَغِي الْجَزْمُ بِعَدَمِ صِحَّةِ التَّصْدِيقِ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْآدَمِيِّ وَتَوَجُّهِ الْأَدَاءِ فِي الْحَالِ بِخِلَافِ الْمَاءِ فَإِنَّهُ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَلَهُ بَدَلٌ وَوَجْهُ رَدِّهِ مَا تَقَرَّرَ أَنَّ الْحُرْمَةَ فِي الْمَاءِ أَقْوَى لِمَا مَرَّ مِنْ تَعَلُّقِ الْحَقِّ فِيهِ بِالْعَيْنِ وَلَوْ لِلَّهِ تَعَالَى بِخِلَافِ الصَّدَقَةِ وَمِنْ ثَمَّ اتَّفَقُوا عَلَى الْحُرْمَةِ فِي الْمَاءِ دُونَ الصَّدَقَةِ فَكَيْفَ مَعَ ذَلِكَ يَتَأَتَّى الْجَزْمُ بِبُطْلَانِ التَّصَدُّقِ مَعَ الْخِلَافِ فِي حُرْمَتِهِ وَيُحْكَى الْخِلَافُ فِي هِبَةِ الْمَاءِ مَعَ الْجَزْمِ بِحُرْمَتِهَا هَذَا مِمَّا لَا يُتَعَقَّلُ فَالصَّوَابُ خِلَافُ مَا بَحَثَهُ هُوَ وَابْنُ الرِّفْعَةِ فَتَأَمَّلْ وَلَا يَصُدَّنَّك جَلَالَتُهُمَا فَإِنَّك بِالتَّأَمُّلِ الصَّادِقِ يَتَّضِحُ لَك صِحَّةُ مَا ذَكَرْته.
(رَابِعُهَا) قَوْله وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ مَا وَقَعَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ مِمَّا يُخَالِفُ ذَلِكَ فَهُوَ مَفْرُوضٌ فِي غَيْرِ صُورَةِ السُّؤَالِ هَذَا فِيهِ مِنْ النَّظَرِ مَا لَا يَخْفَى عَلَى أَدْنَى مُتَأَمِّلٍ يَعْلَمُ ذَلِكَ بِسَوْقِ عِبَارَةِ الْمَجْمُوعِ ثُمَّ تَطْبِيقِهَا مَعَ صُورَةِ السُّؤَالِ الَّتِي أَجَابَ عَلَيْهَا وَعِبَارَتُهُ لَوْ وَهَبَ الْمَاءَ الصَّالِحَ لِطَهَارَتِهِ فِي الْوَقْتِ لِغَيْرِ مُحْتَاجٍ إلَى الْعَطَشِ وَنَحْوِهِ أَوْ بَاعَهُ لِغَيْرِ حَاجَةٍ إلَى ثَمَنِهِ فَفِي صِحَّةِ الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ فِي الطَّرِيقَتَيْنِ حَكَاهُمَا الدَّارِمِيُّ وَجَمَاعَاتٌ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَجَمَاعَاتٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ
قَالَ الْبَغَوِيّ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمَا
الصفحة 7
378