كتاب بحر المذهب للروياني (اسم الجزء: 3)

بشرط عدم بنت مخاض، وعلى هذا لا يجوز أن يطالب بنت مخاض التي في ماله، لأنها كريمة ماله. وقال صلى الله عليه وسلم: "إياك وكرائم أموالهم" (¬1) فيقول رب المال: أنت بالخيار بين أن تعطي بنت لبون بشبه مالك، أو تتبرع بهذه التي في مالك وملك، فإن قال: أعطى بنت لبون، وآخذ الجبران، فالذي يقتضي المذهب أنه يجوز، لأنه قال في "الأم": وإذا ضرب الفحل السن التي وجبت فلم يدر أحالب أم لقحت، قيل له: لا يأخذها منك، فأت بغيرها من تلك السن أن شئت، أو أدفع السفلى، ورد علينا، أو العليا ونرد عليك، فأجاز أخذ الأسفل منها هاهنا مخافة الحمل، وهو لا يتحقق ذلك فلأن يجوز هاهنا ويتحقق الثمن أولى.
وأعلم بأن من ذكر النص في الوجه الأول، استنبطه من هذا الموضع، فقال: جعل الشافعي المشكوك في حملها كالمعدومة والانتقال إلى سن أخرى، فيجب أن يجعل السمينة كالمعدومة في جواز الانتقال إلى ابن لبون، والجواب [12 ب/4] عن هذا أن نقول: الانتقال إلى ابن لبون أغلظ حكمًا، وأضيق طريقًا، لأنه يترك الفرض إلى ما لا مدخل له في فرائض الإبل، وهو الذكر، وليس كذلك في الصعود والنزول، فإنه يصعد وينزل إلى أنثى لها مدخل في فرائض الإبل، فكان حكمه أسهل، ولهذا لو أعطانا حقًا بدل لبون، وطلب الجبران، لا يدفع الجبران، فدل هذا على صحة الفرق، وبطلت دعوى النص في الوجه الأول.
فرع آخر
لو كانت في إبله ابنة مخاض معيبة وسائر الإبل صحاح، يجوز أن يؤخذ ابن لبون صحيح، لأن المعيبة بمنزلة المعدومة، فإن قيل: جعلتم المعيبة كالمعدومة، فاجعلوا السمينة كالمعدومة، قلنا: الفرق أن السمينة تجزئ في الفرض، فكان وجودها مانعًا من إخراج ابن لبون لأنه لو تبرع بها أخذناها، والمعيبة لا تجزئ في الفرض بحال، فكان وجودها وعدمها سواء في جواز ابن لبون.
فرع آخر
لو كانت معه ست وثلاثون من الإبل، ففيها بنت لبون، فإن لم يكن في ماله بنت لبون، فجاء بحق لم يجز أخذه، وقيل: فيه وجه آخر، أنه يجوز، وهو خطأ، ويفارق ابن اللبون من وجهين: إحداهما أن بنت مخاض فاضلة من [13 أ/4] جهة الأنوثة ناقصة من جهة الصغر، فإنها لا تقوى على الرعي من الأشجار، ولا تتمكن من الشرب من الأنهار لكونها قصيرة العنق، ولا يمتنع من صغار السباع، وابن اللبون ناقص بالذكورة فاضل بالقوة والكبر، فقوبلت فضيلة إحداهما بفضيلة الآخر، وليست كذلك بنت لبون، فإنها فاضلة من وجهين: فضل الأنوثة، وفضل القوة، والحق فاضل بالقوة
¬__________
(¬1) أخرجه ابن خزيمة (2275)، والبيهقي في "الكبرى" (4/ 96، 7/ 7).

الصفحة 14