كتاب بحر المذهب للروياني (اسم الجزء: 3)
وزيهما في الجبران إلى رب المال، وقال: وقول الشافعي الخيار إلى الساعي، أراد به إذا خير رب المال، وهذا غلط، والمعروف بينهما أنه لما كان الخيار إلى المعطي في أصل الجبران، كان الخيار إليه في جنسه، وها هنا لا خيار له في أصل الفرض، فلا خيار له في جنسه.
فرع
لو كان في يد ولي اليتيم بيان في الإبل لليتيم، فحال الحول عليها، وجاء المصدق، وفي المال الفرضان جميعًا، فعند الشافعي يأخذ الساعي أجود الفرضين. وعلى قول ابن سريج: لا يجوز للولي أن يدفع إلا أدون الفرضين، لأنه لا يجوز له أن يفعل إلا ما هو الأحظ لليتيم.
مسألة: قال (¬1): "فإن أخذ منْ ربَّ المال الصِّنْفَ الأدنَى، كانَ حَقًّا عليهِ أنْ يُخْرجَ".
الفصل
وهذا كما قال هذا التفريغ على قول الشافعي في الجديد، وفيه ثلاث مسائل، إحداها: أن يكون كاملين، أو إحداهما كاملًا والآخر ناقصا، أو كلاهما ناقصين، فإن كان كاملين، فإن كان كلاهما سواء [15 ب/4] أخذ الساعي ما شاء من الفرضين، وإن كان إحداهما أفضل يلزمه أخذه، فإن أخذه فلا كلام، وإن أخذ الأدون.
قال الشافعي: كان حقًا على رب المال أن يخرج الأفضل. واختلف أصحابنا في معنى هذه المسألة، فقال أصحابنا: فمنهم من قال: معناها أن يأخذ الساعي أحد الصنفين باجتهاده، ويعلم رب المال أنه أدونهما، فإن الصدقة تقع موقعها، لأنه مجتهد فيه، فلو قلنا: لا يجوز، نقضنا الاجتهاد بالاجتهاد، وذلك لا يجوز، فإن أخذ من غير اجتهاد، أو كتم رب المال الصنف الأجود، لا يجزئه، وعليه رده إلى رب المال إن كان قائمًا أو قيمته أن كان تالفًا، وعلى رب المال أن يخرج الصنف الأجود. ومن أصحابنا من قال: هذا الضمان يجب في مال المساكين، لأنه بخس بحق المساكين، فضمنه في مالهم، كالإمام يخطئ في قضائه فيضمن في بيت المال. ومن أصحابنا من قال: يجزئه كيف ما أخذه المصدق، لأن كل واحد في الفرضين منصوص عليه، وأخذ الفضل وجب من طريق الاجتهاد، فلا يبطل به المنصوص، والأول أصح. فإذا قلنا: يجزئه، فإخراج الأفضل هل هو واجب أم مستحب؟ اختلف أصحابنا فيه، فمنهم من قال: هو مستحب، لأن المأخوذ أجزأه وسقط به الفرض، وإنما استحب الشافعي ذلك الاحتياط خاصة إذا [16 أ/4] اجتهد الإمام، فإنه لو اجتهد وأخذ منه القيمة في الزكاة، وقع الموقع، ولا يلزمه شيء آخر. ومنهم من قال - وهو الأصح -: أنه يلزمه إخراج الفضل، لأن الشافعي قال: كان حقًا عليه، وهذه العبارة لا تستعمل إلا في الواجب،
¬__________
(¬1) انظر الأم (1/ 192).
الصفحة 17
576