كتاب بحر المذهب للروياني (اسم الجزء: 3)

وهذه كما قال. ومعنى المسألة: إذا كانت إبله مراضاً، وعدد الفرض منها صحاحاً، وهذه المسألة هي مخالفة للمسألة المتقدمة، لأن هناك الفرضين معيبان، وهذا الفرض صحيح، وسائر الإبل مراض، والجواب فيهما واحد إلا في الصعود والنزول، فإنا لا نجوز هاهنا أن يصعد إلى فرض مريض، ولا أن ينزل إلى فرض مريض، ويترك في مالك فرضاً صحيحاً، بل يقول له: إن تبرعت بالفرض الصحيح الموجود في مالك، وإلا فائتنا بفرض يشبه مالك بالقيمة، وطريق التقويم على ما تقدم بيانه.
وقال في "الأم" (¬1): ولا يأخذ مريضاً وفي الإبل عدد صحيح من دون الهاء، وأراد إذا كان في جملتها صحاح مراض، لم تؤخذ المريضة، بل تؤخذ الصحيحة على ما ذكرنا لأنا لو أخذنا المريضة وقع الأخذ شائعاً فتكون قد أخذنا المريضة عن الصحيحة، وهذا لا يجوز.
مسألة: قال (¬2): فإن كانتْ كُلَّها مَعِيبةً لمْ يُكَلِّفْهُ صَحيحةً من غَيرِهَا، ويأخذُ جَبْرَ المعُيبِ.
وهذا كما قال: إذا كانت ماشيته مراضاً كلها، تؤخذ الزكاة منها، ولا يطالب بالصحيح، وهذا غلط، لقوله صلى الله عليه وسلم لما "إياك وكرائم أموالهم" (¬3) ولأنه مال تجب الزكاة فيه من جنسه، فلا يكلف الجيد من الرديء كالحبوب، فإذا تقرر هذا [21 أ/4] نقل المزني ويأخذ خير المعيب، واختلف أصحابنا في هذا، فمنهم من قال: أراد أنه يأخذ خير الفرضين المعيبين، وهو الصحيح، وعليه يدل ظاهر كلام الشافعي رحمه الله عليه في "الأم" (¬4)، لأنه قال: ويأخذ جبر المعيب من السن التي وجبت له. ومن أصحابنا من قال: أراد من المال إذا خيره رب المال وأذن له أن يأخذ خيره. ومن أصحابنا من قال: أراد بالخير الوسط ويعبر عن الخير بالوسط. قال تعالى: {وكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وسَطًا} [البقرة: 143]، وقال: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ} [آل عمران: 110] وأراد وسطاً. ومن قال بهذا اختلفوا، فمنهم من قال: أراد الوسط بالقيمة على ما تقدم بيانه، ومنهم من قال: أراد بالوسط من عدد العيوب، فيترك ما فيه عيب واحد وما فيه ثلاثة عيوب، ويؤخذ ما فيه عيبان.
فرع آخر
لو كانت له ست وثلاثون من الإبل مراض، وفيها بنت لبون صحيحة، فإن تبرع بها أخذناها، وإن امتنع منها نقول له: الذي يجب عليك بنت لبون صحيحة تشبه مالك، وطريق ذلك التقويم على ما تقدم بيانه، وعلى هذا لو لزمته شاتان وإحداهما صحيحة في ماله، والأخرى مريضة وباقي مريضة كلفناه واحدة صحيحة، وقبلنا الأخرى مريضة، ولا تتعين هذه الصحيحة بل يأتي بشاة أخرى على ما يليق بماله أو [21 ب/4]
¬__________
(¬1) انظر الأم (2/ 5).
(¬2) انظر الأم (1/ 193).
(¬3) أخرجه البخاري. فتح (3/ 377)، ومسلم. نووي (1/ 196).
(¬4) انظر الأم (2/ 5).

الصفحة 22