كتاب بحر المذهب للروياني (اسم الجزء: 3)

فريق فروع مذهبه على وجه تأويله، ونبين ذلك ليظهر الإشكال وتمام هذا الحديث، أولًا ما روي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دخل على عائشة بمكة عام حجه، [(172) /ب] فرآها تبكي، فقال لها مالك: أنفست؟ فقالت: نعم، فقال: "ذاك شيء كتبه الله على بنات ادم، فاغتسلي وامتشطي وارفضي عمرتك وأهلي بالحج واصنعي ما يصنع الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت" فروى في الخبر أن عائشة طافت يوم النحر طواف الإفاضةَ، فقال لها - صلى الله عليه وسلم -"طوافك بالبيت يكفيك بحجك وعمرتك". فقالت عائشَة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أكل نسائك يصرفن بنسكين، وآنا أنصرف بنسك واحد، فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -أخاها عبد الرحمن بن أبي بكر، فأردفها فأعمرها من التنعيم، قالت عائشة: فكانت عمرتي التي رفضتها.
هذا هو الحديث على وجه فأما أهل العراق قالوا: عائشةً كانت محرمة بالعمرةَ؛ فلما حاضت قبل الطواف والسعي أمرت برفض العمرةَ، فرضت إحرام عمرتها وأعمال عمرتها، ثم لما راهقت وقف الإحرام بالحج أهلت بالحج المفرد وأكملته، ثم لما فرغت من حجها رغبت في العمرةَ، فأمرها رسول الله بالعمرةَ، فخرجت إلى التنعيم وقضت تلك العمرة التي كانت رفضتها لنا حاضت فزعموا أن الحيض يوجب رفض إحرام العمرةَ بهذا الخبر، وأن من خرج من عمرته يرفض، أو أفسدها، فأراد قضائها لم يلزمه العود إلى ميقاتها بل يلزمه الخروج إلى الحل أينما كان الحل.
وأما أصل الشافعي في هذا الخبر أن عائشَة كانت محرمة بالعمرة؛، فلما حاضت عجزت عن طواف عمرتها بسبب حيضتها، فرفضت أعمال عمرتها بأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -دون إحرامها، واغتسلت، وامتشطت إذ يجوز للمحرمة ذلك، وإن منعها الإحرام من الترجيل والتطيب، وهذا معنى قولها: [(17) 3/أ] عمرتي التي رفضتها، أي: رفضت، أعمالها دون إحرامها، فلما أهلت بالحج صارت قارنةً بإدخال الحج على العمرةَ؛، ألا ترى أنها لما طافت يوم النحر، قال - صلى الله عليه وسلم - "طوافك بالبيت يكفيك لحجك وعمرتك" ولو لم تكن قارنة لما كان لهذا معنى، ثم إن عائشة لما شاهدت سائر أزواج رسول الله- صلى الله عليه وسلم -، وقد حصل لهن طواف في الحج وطواف في العمرةً ولم يحص ذلك رغبت في كثرةَ الخطوات وثواب الأعمال الكثيرةَ، فقالت: أكل نسائك ينصرفن بنسكين، وأنا أنصرف بنسك واحد، فأمرها العمرة حينئذ. وهذا معنى قول الشافعي، فكانت عمرتها شيئًا استحسنته، فعلى هذا التأويل قلنا: من أفسد العمرة لزمه قضائها من ميقات إحرامها، والحيض لا يقتضي رفض الإحرام، وإن لم يرتفض إحرام بحالٍ، وإنما يباح التحلل عند الإحصار بالعذر.
مسألة: قال (¬1): ومن أدرك عرفة قبل الفجر من يوم النحر، فقد أدرك الحجَ.
الفصل
فوات الحج فوات الوقوف بعرفة، وقد ذكرنا وقت الوقوف ومتى فاته الوقوف يلزمه أن يتحلل بعمل عمرةً، ولا ينقلب إحرامه عمرة، فيطوف ويسعى ويحلق، إن قلنا
¬__________
(¬1) انظر الآم (2/ 96).

الصفحة 567