كتاب بحر المذهب للروياني (اسم الجزء: 3)
الفصل
وهذا كما قال: إذا كان له مال يجب الزكاة في عينه فباعه رب المال بعد وجوب الزكاة فيه هل يصح البيع في الكل أم في البعض؟ هذه المسألة هي مبنية على أصلين، إحداهما: أن تجب الزكاة وقد ذكرنا ذلك، والثاني: تفريق الصفقة فإذا جمعت بين ما يجوز بيعه وما لا يجوز بطل البيع فيما لا يجوز وهل يجوز في الباقي قولان، فإذا تقرر الأصلان رجعنا إلى المسألة فلا يخلو إما أن يبيع الكل أو يبيع البعض فإن باع الكل اختلف أصحابنا في ترتيب المسألة فقال ابن أبي هريرة: إن قلنا: إن الزكاة في العين لا تجوز في قدر الزكاة لأن المساكين ملكوا ذلك القدر فقد باع ملك الغير بلا إذن وهل يجوز في الباقي قولان، بناء على تفريق الصفقة فإذا قلنا: يفرق يجوز في الباقي، وإذا قلنا: لا يفرق لا يجوز في الباقي فإذا قلنا: يجوز فالمشتري بالخيار بين أن ينقص البيع لنقصانه وبين أن يجيزه فإن أجاز بكم نأخذ قولان إحداهما: بكل الثمن، والثاني: بحصته من الثمن وعلى هذا هل يثبت للبائع الخيار لانتقاض الثمن،؟ وجهان، وإن [99 ب/4] قلنا: الزكاة في الذمة فإن أخرج الزكاة من غيرها صح البيع في الكل وإن أخرجها منها بطل البيع في ذلك القدر وهل يبطل فيما عداه قولان، على ما قدمناه، وقال أبو إسحاق: إن قلنا: الزكاة في العين هل يصح البيع في قدر الزكاة قولان إحداهما: باطل لما ذكرنا وعلى هذا لو أخرج البائع الزكاة من غيرها لا يصح البيع لأنه ملكها من هذا الوقت فلا يصح البيع السابق الذي صادف ملك غيره وهل يصح البيع في الباقي؟ قولان، بناء على تفريق الصفقة.
والثاني: وبه قال أحمد البيع جائز لأن المساكين لم يملكوا ملكًا مستقرًا وهو على ملك رب المال، ولهذا له أن يدفع إليهم حقهم من موضع آخر من غير رضى أحد فإن أدى الزكاة من غيره علمنا أن ملكه لم يزل عن شيء منه، وإن البيع صحيح ولا خيار للمشتري لأنه بمنزلة عيب وجده ثم ارتفع ذلك قبل فسخ البيع وهذا القول هو الذي نص عليه هاهنا، وإن قلنا: إن الزكاة في الذمة والعين مرهونة بها ففيه قولان مخرجان إحداهما: البيع في مقدار الزكاة باطل لأنه بمنزلة من باع شيئًا مرهونًا ثم قضي الدين لا يصح البيع حتى يجدده بعد فك الرهن، والثاني: أنه صحيح لأن حق المساكين [100 أ/4] تعلق بغير اختيار رب المال، فلا يمنع صحة البيع كبيع العبد الجاني يجوز في أحد القولين، وعلى هذا يكون موقوفًا فإن أدّى من غيره تم البيع وإن أدى من غيره بطل البيع في قدر الصدقة وهل يبطل في الباقي قولان، بناء على تفريق الصفقة فسّوى أبو إسحاق بين القول الذي يقول: الزكاة في العين والقول الذي يقول: الزكاة في الذمة في أن في إفساد البيع في قدر الزكاة قولين، وقال بعض أصحابنا: إذا جوّزنا البيع ثم أدى الزكاة من عينها أبو بطل البيع في مقدار الزكاة لا يبطل في الباقي قولًا واحدًا لأن هذا فساد طرأ بعد صحة العقد والفساد الطارئ بعد القبض هل يجعل في حكم الفساد الموجود عن العقد وجهان، فإن قلنا: لا يجعل يصح البيع هاهنا في الباقي قولًا
الصفحة 93
576