كتاب المجموع المغيث في غريبي القرآن والحديث (اسم الجزء: 3)
يهاجر من أهل مَكّة والأعْرَاب، كذا رُوى عن قتادة، وكان النَّبِىُّ - صلّى الله عليه وسلّم - يَكْرَه أن يَموُت الرَّجُلُ بالأرض التي هَاجَر منها؛ فَمِنْ ثَمّ قال: "لكِن البَائِسُ سَعْدُ بنِ خَوْلَةَ"، يَرْثى له (1 رسُول الله - صلّى الله عليه وسلّم 1) أنْ مات بمَكّة، وقال عليه الصّلاة والسّلام - حين قدم (¬2) مكة -: "اللهُمّ لا تَجْعَل مَنَايانَا بهَا".
وكان ابنُ عُمَرَ - رضي الله عنهما - إذا مَرَّ بدَارِه بمكَّة غمَّضَ عَيْنَيْه، كَراهَةَ أن يَحنّ إليها، فلما فُتِحَتْ مَكّةُ صَارَت دَارَ إسْلامٍ كهيئة المَدِينَةِ، وانَقَطَعت الهِجْرَةُ.
- فأمّا قَوله عليه السَّلام: "لَا تَنْقَطِع الهِجْرَةُ حتَّى تَنْقَطِعَ التَّوبَة"
فمعناه: (¬3) مَن اتّصَلَ بالمُسْلِمين مِن الأَعْرابِ، وغزَا مَعَهم فهو مُهاجِر، ولَيْسَ بدَاخِلٍ في فَضْلِ مَن هَاجرَ قَبل الفَتح. وقال الطَّحَاوى: قوله: "لا تَنقطِعُ الهِجْرَةُ مَا كان الجِهَادُ، أو ما قُوتِل الكفَّار" يَعنى كُفارَ مَكَّة حتى فُتِحت عليهم.
وقوله: "لا تَنْقَطِع الهِجْرَةُ حتَّى تَنْقَطِعَ التَّوْبَة"
: أي الهِجْرة عن السُّوءِ.
وَرُوى هذا المعنى عن ضمضم، عن شُرَيح بن عبيد، عن مالك بن يُخامِر، عن عبد الرحمن بن عَوف - رضي الله عَنهم -
¬__________
(1 - 1) سقط من أ، والمثبت عن ب، جـ، ن.
(¬2) ب، جـ: "حين فتح مكة"
(¬3) ن: الهِجْرة الثانية: مَن هَاجر من الأعراب وغَزَا مع المُسْلمين، ولم يفعل كما فَعَل أصْحابُ الهِجْرة الأولى، فهو مُهاجر، وليس بدَاخِل في فَضْل من هاجَر تلك الهِجْرة، وهو المراد بقوله: "لا تَنْقَطِع الهجرَةُ حتى تَنْقَطِع التَّوبَة"
فهذا وجْه الجَمْع بَينْ الحديثَين، وإذا أُطْلِق في الحديث ذِكْرُ الهِجْرَتَيْن فإنْما يُرادُ بهما هِجْرةُ الحبَشَة وهِجْرةُ المدينة.