كتاب نشوار المحاضرة وأخبار المذاكرة (اسم الجزء: 3)

قال: فما عقلت، حتى وصلت إلى بلد «1» ، في نفر قليل من أهل معسكري، وتبعني الباقون.
فحين وردوا، نهضت للرحيل، ولم أدعهم أن يراحوا، وخرجنا.
فلما صرنا على فرسخ من بلد، إذا بأعلام وجيش لاحقين بنا، فلم أشكّ أنّ أخي أنفذهم للقبض عليّ.
فقلت لمن معي: تأهّبوا للحرب، ولا تبدأوا، وحثّوا السير.
قال: فإذا بأعرابيّ، يركض وحده، حتى لحق بي، وقال: أيّها الأمير، ما هذا السير المحثّ؟ خادمك دنحا، قد وافى برسالة الأمير ناصر الدولة، ويسألك أن تتوقّف عليه حتى يلحقك.
قال: فلما ذكر دنحا، قلت: لو كان شرّا، ما ورد دنحا فيه.
فنزلت، وقد كان السير كدّني، والحمّى قد أخذتني، فطرحت نفسي لما بي، ولحقني دنحا، وأخذ يعاتبني على شدّة السير، فصدقته عمّا كان في نفسي.
فقال: اعلم انّ الذي ظننته انقلب، وقد تمكّنت لك في نفسه هيبة، بما جرى، وبعثني إليك برسالة، يقول لك: إنّك قد كنت جئتني تلتمس كيت [19] وكيت، فصادفت منّي ضجرا، وأجبتك بالردّ، ثم علمت أن الصواب معك، فكنت منتظرا أن تعاودني في المسألة، فأجيبك، فخرجت من غير معاودة ولا توديع، والآن، إن شئت فأقم بسنجار «2» ، أو بنصيبين، فإنّي منفذ إليك ما التمست من المال والرجال، لتسير إلى الشام.

الصفحة 24