كتاب نشوار المحاضرة وأخبار المذاكرة (اسم الجزء: 3)

43 مثل من الأمانة
وحدّثني، قال: حدّثني أبو الحسن محمّد بن إسحاق بن عبّاد النجار، وهو شيخ من وجوه التمّارين بالبصرة، طال عمره، وحدّث، وكتبت عنه، ولم أسمع هذه الحكاية منه، قال:
كان في جوارنا فلان، فتصدّق ليلة على ضرير اجتاز به، وهو لا يعرفه، فأراد أن يفتح [46] إحدى صرتين في كمّه، في إحداهما دنانير، وفي الأخرى دراهم، فيعطيه درهما، فأعطاه دينارا.
وانصرف الضرير، وهو لا يشكّ أنّ معه درهما.
فبكّر به إلى بقال يعامله، فقال: خذ هذا الدرهم، واحسب ما لك عليّ، وأعطني بالباقي كذا وكذا.
فقال له البقال: يا هذا، من أين لك هذا؟
قال: أعطانيه البارحة فلان.
قال: إنّه دينار، فخذه.
فأخذه الضرير، وجاء به من الغد إلى الرجل، وقال: إنّك تصدّقت عليّ بهذا، وأظنّك أردت أن تعطيني درهما، وغلطت، وما أستحلّ أخذه مغالطة، فخذه.
فقال له الرجل: قد وهبته لك، وإذا كان في رأس كلّ شهر، فتعال إليّ، أعطيك شيئا آخر، مجازاة لأمانتك.
وكان يجيئه في رأس كل شهر، فيعطيه خمسة دراهم.
قال: فلم أر أعجب من أمانة البقّال والضرير، ولو كان في هذا الوقت، لجرى الأمر بضدّ ذلك [47] .

الصفحة 60