كتاب نشوار المحاضرة وأخبار المذاكرة (اسم الجزء: 3)

قال: فلم أبعها حتى كاتبته، وعرّفته خبرها، لئلا تكون قد هربت، أو وقع بها حيلة.
فلما أعلمني أنّه وهبها، شرعت في بيعها في الحال، فتعذّر، وأقامت عندي أيّاما.
فسألتها عن أخبار أبي الهيجاء، وأمره في داره، فأخبرتني بأشياء من ذلك. فكان من طريف ما أخبرتني به، أن قالت:
أخرجني من عندك في العمّارية، وسرنا يومنا وليلتنا، إلى قريب من انتصاف الليل، فكدّني السير وأتلفني، ثم حطّ العمّارية في الصحراء، ثم ضربت له خيم، ولأصحابه، فصرنا في عسكر، وأشعلت النيران، ونصب له سرير [57] مخلّع «1» في خيمة له، واستدعاني، فجئت وهو على فراشه، فلاعبني، ثم نزع «2» سراويله، وجلس منّي مجلس الرجل من المرأة، فوقعت صيحة عظيمة، فنهض عنّي، ولم يكن أولج، وضرب بيده إلى تحت الفراش، وإذا سيف مجرّد، فأخذه، وخرج بلا سراويل، وصاح أنا أبو الهيجاء، وسألهم عن سبب الصيحة، فقالوا: سبع أطاف بالخيم.
فخرج يعدو، ومعه خلق من غلمانه وأصحابه، وأهاجوا السّبع، وطلبوه، وناصبوه الحرب، وناصبهم، وأنا أسمع الصياح، وزأرات الأسد، وقد تلفت فزعا، ثم يأتيه هو، من بين الجماعة، فقتله، فحمل رأسه، وجاءني وهو في يده، فلما رأيته صحت، فرمى بالرأس، وغسل يده.
ثم جاءني، فطرحني، وإذا أيره قائم، كما كان في وقت نهوضه، ما تغيّر، ثم جامعني، ثم نهضت.
فما رأيت قلبا أثبت من قلبه، ولا أيرا أقوى من أيره.

الصفحة 71