كتاب حسن التنبه لما ورد في التشبه (اسم الجزء: 3)

وهذه الآية - وإن نزلت فيمن شرب الخمر، ومات قبل تحريمه كما صححه الترمذي عن البراء بن عازب، والحاكم عن ابن عباس (¬1) - فإنها عامة في حق كل صالح اتقى الله تعالى في طعامه وشرابه، فلا حرج عليه فيه ولا في سائر مباحات الدنيا؛ وإن كان مسؤولاً عنه لعموم قوله تعالى: {ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ} [التكاثر: 8]؛ فإن الصحيح أن العبد الصالح - وإن سئل عما نعَّمه الله به في الدنيا - فإنما يسأل سؤال تمحيص وامتنان، لا سؤال توبيخ وتثريب.
واعلم أن في قوله تعالى: {ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ (8)} [التكاثر: 8] أقوالاً:
أحدها: أن العبد يسأل عن كل نعيم مطلقاً.
والثاني: أنه يسأل عن ما سوى ما يشبع بطنه ويرويه، ويستر عورته، ويكنه من الحر والبرد أقل ما يكفيه من ذلك.
والثالث: أنه إذا تنعم وحمد الله تعالى عليه لا يسأل عنه، ويسأل عما ترك الحمد عليه.
والرابع: أنه إنما يسأل عن الحرام.
والخامس: أنه إنما (¬2) يسأل عما تناوله بغفلة عن الله تعالى.
¬__________
(¬1) رواه الترمذي (3050) وصححه، عن البراء - رضي الله عنه -.
والحاكم في " المستدرك " (7225)، وكذا الترمذي (3052) وصححه، عن ابن عباس رضي الله عنهما.
(¬2) في " ت ": "لا" بدل "إنما".

الصفحة 109