أعمال البر كلها على وجهين؛ سر وعلانية، فمن لم يقدر على تصحيح النية فيما يعمل من السر كان فيما يعلن من عمله أبعد، ومن قدر على تصحيح النية في العلانية كان فيما يسر من عمله أقوى، ومن لم يقدر على تصحيح النية في القليل من العمل كان في الكثير منه أبعد.
وهذا موافق لما تقدم عن أبي عامر السكوني - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "تَمَامُ البِرِّ أَنْ تَعْمَلَ في السِّرِّ عَمَلَ العَلانِيَةِ" (¬1).
وقال أبو عبد الرحمن السلمي في "الحقائق" في قول تعالى: {وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ} [آل عمران: 193]: من رضيت ظواهرهم للخلق، وبواطنهم لك.
وقال: قال أبو عثمان: الأبرار هم الذين أسقطوا عن أنفسهم أشغال الدنيا، واشتغلوا بما يقربهم إلى مولاهم.
قال: وقال سهل - رضي الله عنه -: الأبرار هم المتمسكون بالسنة.
قال: وقال بعضهم: هم الناظرون إلى الخلق بعين الحق (¬2).
وقال في قوله تعالى: {إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (13) وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ} [الانفطار: 13، 14]: سمعت عبد الله الرازي يقول: سمعت محمد ابن الفضل رحمه الله يقول في قوله: إِنَّ اَلأبَرارَ {إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ} [الانفطار: 13] قال: في التنعم بذكر مولاهم، {وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ} [الانفطار: 14]: في
¬__________
(¬1) تقدم تخريجه.
(¬2) انظر: "حقائق التفسير" للسلمي (1/ 134).