وروى البيهقي في "الشعب" عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تُكْثِرُوا الكَلامَ بِغَيْرِ ذِكْرِ الله؛ فَإنَّ كَثْرَةَ الكَلامِ بِغَيْرِ ذِكْرِ اللهِ قَسْوَةُ القَلْبِ، وَإِنَ أبْعَدَ النَّاسِ مِنَ الله القَلْبُ القَاسِي" (¬1).
وفيه إشارة إلى أنَّ سبب القسوة كثرة الخوض في فضول الكلام، وأن ذكر الله سبب لحصول الرحمة في القلب.
وروى الإِمام أحمد في "الزهد" عن أبي الجلد رحمه الله: أنَّ عيسى عليه السلام أوصى الحواريين: لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله عز وجل فتقسو قلوبكم، وإن القاسي قلبه بعيد عن الله ولكنه لا يعلم (¬2).
ومن أسباب القسوة: ما رواه أبو بكر بن مردويه عن عائشة رضي الله عنها، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "تُوْرِثُ القَسْوَةُ في القَلْبِ ثَلاثَ خِصَالٍ: حُبَّ الطَّعَامِ، وَحُبَّ النَّوْمِ، وَحُبَّ الرَّاحةِ" (¬3).
قلتُ: ومن أسباب القسوة: طول العهد بالعيش، وإمهال العبد في الطيش، وذلك من مكر الله عز وجل؛ قال تعالى: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} [الحديد: 16].
¬__________
(¬1) رواه البيهقي في "شعب الإيمان" (4951)، وكذا رواه الترمذي (2411) وحسنه.
(¬2) رواه الإمام أحمد في "الزهد" (ص: 56).
(¬3) كذا عزاه السيوطي في "الدر المنثور" (7/ 220) إلى ابن مردويه.