كتاب حسن التنبه لما ورد في التشبه (اسم الجزء: 3)

* فائِمَةٌ تاسِعَةَ عَشْرَةَ:
روى الإِمام أحمد في "الزهد"، وابن أبي شيبة عن عبد الله بن مرة رحمه الله: أنَّ رجلًا قال لأبي الدرداء - رضي الله عنه -: أوصني، قال: اعبد الله كأنك تراه، واعدد نفسك في الموتى، وإياك ودعوة المظلوم، واعلم أن قليلاً يكفيك، خير من كثير يلهيك، واعلم أنَّ البر لا يبلى، والإثم لا ينسى (¬1).
وإنما كان البر لا يبلى؛ لأنه صار عند الله تعالى، وقد قال تعالى: {مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ} [النحل: 96].

* فائِدَةٌ مُتَمِّمَةُ الْعِشْرِيْنَ:
روى ابن أبي شيبة عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: ما من نفسٍ برَّةٍ، ولا فاجرةٍ إلا وأنَّ الموت خيرٌ لها من الحياة؛ لئن كان براً لقد قال الله تعالى: {وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرَارِ} [آل عمران: 198]، ولئن كان فاجراً لقد قال الله تعالى: {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ} [آل عمران: 178] (¬2).
قلت: ولعل محل هذا فيما لو خشي البر على نفسه بالحياة، أو خشي عليه تغير الحال، أو خِيفَ على الفاجر الاسترسال في الفجور فيعظم عقابه، وإلا فقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "خَيْرُ النَّاسِ مَنْ طَالَ عُمُرُهُ
¬__________
(¬1) رواه الإِمام أحمد في "الزهد" (ص: 135)، وابن أبي شيبة في "المصنف" (34580).
(¬2) رواه ابن أبي شيبة في "المصنف" (34572).

الصفحة 502