كتاب حسن التنبه لما ورد في التشبه (اسم الجزء: 3)

الليل على فراشي، وأتدبر القرآن، فأعرض نفسي على أعمال أهل الجنة، فإذا أعمالهم شديدة: {كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ} [الذاريات: 17]، {وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا} [الفرقان: 64]، {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا} [الزمر: 9]، فلا أراني منهم.
فأعرض نفسي على هذه الآية: {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42) قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ} إلى قوله: {نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ} [القمر: 42 - 46] فأرى القوم مكذبين، فلا أراني فيهم.
فأمرُّ بهذه الآية: {وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا} [التوبة: 102]، وأرجو أن كون أنا وأنتم يا إخوتاه منهم (¬1).
قلت: لقد مر في بعض مجالسي من نحو عشرين سنة أني دعوت الله تعالى، فقلت: اللهم اجعلنا من الصالحين، فإن لم تجعلنا من الصالحين فاجعلنا من المخلطين الذين خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً، أو ما هذا معناه، فبعد انقضاء المجلس اعترض علي بعض السامعين، فقال: يا سيدي! كيف تدعو الله أن يجعلنا من المخلطين والمعصية مقررة فيهم؟
قلت: سبحان الله تعالى! والعمل الصالح مقرر فيهم أيضاً، وهو أولى أن يكون من المصرين، فإن لم يكن وابل فَطَلٌّ.
ثم وقفت على كلام مطرف هذا، فحمدت الله على موافقته.
¬__________
(¬1) رواه البيهقي في "شعب الإيمان" (7166).

الصفحة 70