أحدهما: أنها عملتْ بخِلافِ ما رَوَتْ، وعملُ الصَّحابيّ مقدَّم على روايتهِ عندهم (¬1).
الثاني: أنها رَوَتْ - أيضاً - أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَصَرَ وأَتَمَّ (¬2)، فدلَّ على أن المرادَ بقولها: وأُقرَّتْ صلاةُ السفرِ لمن شاءَ القصرَ؛ بدليلِ روايتها الأخرى، ولأنه ما اجتمعَ فيه روايتُها وعملُها، كان أقوى مما اختلف فيه عملها وروايتُها.
قال الشافعيّ: وإنما عَمِلَتْ بما رَوَتْ عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولم تعملْه تأوُّلاً كما قالَهُ عُروةُ (¬3).
3 - وذهب قومٌ إلى أن القصرَ سُنَّةٌ ليسَ بِرخْصةٍ، ولا حتماً (¬4).
وهو المشهورُ عن مالكٍ، والمشهورُ عندَ الشافعية؛ لما فيه منَ الجَمْع بين الأدلةِ، والاقتداءِ برسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -.
¬__________
(¬1) اختلف في عمل الصحابي بخلاف الحديث الذي يرويه، فذهب الشافعي في المشهور عنه: أن الأخذ بروايته دون رأيه، والمشهور من مذهب أبي حنيفة عكسه، وعن أحمد روايتان، وفي المسألة تفصيل فيما إذا كان عاماً أو مجملاً ... انظر: "رفع الحاجب شرح مختصر ابن الحاجب" للسبكي (2/ 450)، و "المجموع" للنووي (2/ 535)، و"المسودة في أصول الفقه" لابن تيمية (ص: 116)، و"إغاثة اللهفان" لابن القيم (1/ 293)، و"البحر المحيط" للزركشي (3/ 423)، و"فتح المغيث" للسخاوي (1/ 341).
(¬2) تقدم قريبًا.
(¬3) انظر: "اختلاف الحديث" للشافعي (1/ 491)، و "معرفة السنن والآثار" للبيهقي (2/ 427).
(¬4) انظر: "الاستذكار" لابن عبد البر (2/ 244)، و"بداية المجتهد" لابن رشد (1/ 121)، و "أحكام القرآن" لابن العربي (1/ 618).