كتاب تيسير البيان لأحكام القرآن (اسم الجزء: 3)
* وأَمَّا سبيلُ اللهِ:
فذهبَ الجمهورُ، ومالِكٌ، وأبو حنيفة، والشافعيُّ إلى أنه الجهادُ؛ لغلبةِ عُرْفِ الشرعِ في ذلكَ، فيُعطْى المجاهدون المُطَّوِّعون ما يَسْتعينون بهِ على غَزْوِهِمْ من رِزْقٍ وسِلاحٍ وكُراعٍ (¬1).
وذهبَ أحمدُ وإسحاقُ إلى أنه الحَجُّ (¬2)؛ لقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [محمد: 34] , ولأن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - حَمَلَ على إِبِلِ الصَّدَقَةِ للحَجِّ (¬3).
وإذا قلنا: المرادُ بِهِ الغُزاةُ في سبيلِ اللهِ، فهل يُعْطَوْنَ مُطْلقًا، أو بِتَقَيُّدٍ بحالةِ الفقر؟ فيه خلافٌ، وبالأولِ قالَ الشافعيُّ، وأحمدُ، والجمهورُ، وبالثاني قال أبو حنيفةَ.
كلا واتفقوا على أن الغارمَ المديونُ، وعلى أن ابنَ السبيل المسافرُ المُجْتاز، واختلفوا في المُنْشِئِ سفرًا من بلدِه، فأعطاهُ الشافعيُّ (¬4)،
¬__________
(¬1) انظر: "الاستذكار" لابن عبد البر (3/ 213)، و "بداية المجتهد" لابن رشد (1/ 202)، و "بدائع الصنائع" للكاساني (2/ 45 - 46)، و "ردّ المحتار" لابن عابدين (2/ 343)، و "أحكام القرآن" للجصاص (4/ 329)، و "الأم" للشافعي (2/ 72)، و "المجموع" للنووي (6/ 200)، و "مغني المحتاج" للشربيني (3/ 111).
(¬2) انظر: "المغني" لابن قدامة (6/ 334)، و"شرح منتهى الإرادات" للبهوتي (1/ 458)، و"كشاف القناع" للبهوتي (2/ 284)، و "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (8/ 185).
(¬3) رواه الإِمام أحمد في "المسند" (4/ 221)، والبخاري في "صحيحه" معلقا بصيغة التمريض (2/ 534)، عن أبي لاس. وانظر: "تغليق التعليق" لابن حجر (3/ 25).
(¬4) انظر: "الحاوي الكبير" للماوردي (8/ 549 - 550)، و "المجموع" للنووي (6/ 203)، و "مغني المحتاج" للشربيني (3/ 111 - 112).
الصفحة 357