وخَرَّجَ مسلمٌ في "صحيحه" عن عبدِ الرَّحْمنِ بنِ أبي ليلى قال: كانَ زيدُ بنُ أَرْقَمَ يُكَبِّرُ على الجِنازَةِ أَرْبَعًا وخمسًا، فسألناهُ، فقال: كانَ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يكبرُ على الجِنازة أَرْبَعًا، وخَمْسًا، وسِتًّا، وسَبْعًا، وثَمانِيًا، حتى ماتَ النَّجاشِي، فصفَّ الناسَ وراءه، وكَبَّرَ أربعًا، ثم ثبتَ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - على الأَرْبَعِ حتى تَوَفَّاهُ الله (¬1).
* ولَمّا لاحَظَ أبو حنيفةَ هذا المعنى، قال: ليسَ فيها قراءةٌ، وإنَّما هي دعاءٌ (¬2).
وكذلكَ قالَ مالِكٌ: قراءةُ القرآنُ فيها ليسَ بمَعْمولٍ به في بلدِنا، وإِنَّما نَحْمَدُ الله، ونُثْني عليهِ بعدَ التكبيرةِ الأولى، ثم نكبرُ الثانيةَ، فنصلِّي على النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، ثم نكبرُ الثالثةَ، فنشفَعُ للمَيِّتِ، ثم نكبرُ الرابعةَ، ونسلمُ (¬3).
قال الشافعيُّ: يقرأُ بعدَ التكبيرةِ الأولى بفاتحةِ الكِتاب، ثم يفعلُ في سائرِ التكبيراتِ مثلَ ذلك (¬4)؛ لما رُويَ عن ابنِ عباسٍ -رضيَ اللهُ تَعالى عنهما- أنه صَلَّى على جنازَةٍ، فقرأَ بفاتحةِ الكِتاب، ثم قال: إنَّما فعلتُ ذلكَ لتعلَموا (¬5) أَنَّها سُنَّةٌ (¬6)، وبِهذا قال أحمدُ وداودُ -رحمهما الله تعالى-.
¬__________
(¬1) رواه مسلم (957)، كتاب: الجنائز، باب: الصلاة على القبر، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: كان زيد يكبر على جنائزنا أربعًا، وإنه كبر على جنازة خمسًا، فسألته فقال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يكبرها. قلت: واللفظ الذي ذكره المصنف هو لفظ ابن عبد البر فيما رواه في "الاستذكار" (3/ 30).
(¬2) انظر: "بدائع الصنائع" للكاساني (1/ 313).
(¬3) انظر: "بداية المجتهد" لابن رشد (1/ 171).
(¬4) انظر: "الأم" للشافعي (1/ 271)، و"الحاوي الكبير" للماوردي (3/ 56)، و "مغني المحتاج" للشربيني (1/ 341).
(¬5) في "أ": "ليعلم".
(¬6) رواه البخاري (1270)، كتاب: الجنائز، باب: قراءة فاتحة الكتاب.