كتاب تيسير البيان لأحكام القرآن (اسم الجزء: 3)

(من أحكام الطهارة)
182 - (1) قولُه جَلَّ جَلالُهُ: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ (80)} [النحل: 80].
أقولُ: هذه الآيةُ تشتملُ على حكمينِ:
الأول: في جلود الأنعام، أطلقَ اللهُ سبحانَهُ الانتفاعَ بجلودِها، ولمْ يُقَيِّدْه بالذَّكاةِ قبلَ المَوْتِ، ولا بالدِّباغِ بعدَ الموتِ، فأخذَ الزهريُّ والليثُ بجَواز (¬1) الانتفاعَ بجلد المَيْتَةِ قبلَ الدِّباغِ (¬2).
فإن قلتَ: هذا الإطلاقُ يعارضُهُ عمومُ قولِه تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ} [المائدة: 3]، والواجبُ عندَ تعارُضِ العُمومَيْنِ أَلَّا يُقَدَّمُ أحَدُهما على الآخَرِ إِلَّا بدليلٍ.
قلتُ: لهما أن يقولا: ليستْ آيةُ "البقرةِ" (¬3) عامَّةً مُعارِضَةً لهذهِ الآية،
¬__________
(¬1) في "أ": " فجوَّزا".
(¬2) انظر: "أحكام القرآن" للجصاص (1/ 142)، و"التمهيد" لابن عبد البرّ (4/ 156)، و"التفسير الكبير" للرازي (5/ 15)، و"الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (10/ 156).
(¬3) وهي قوله تعالى: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ ... ... ... ... ... ... ... ...} [البقرة: 173].

الصفحة 391