فإنما المقصودُ منها تحريمُ الأكل؛ بدليلِ قولهِ - صلى الله عليه وسلم - في شاةِ مَيْمونَةَ -رضيَ اللهُ تَعالى عنها-: "أَلا انْتَفَعْتُمْ بجلدِها" فقالوا: يا رسول الله إنها ميتةٌ، فقالَ: "إنَّما حرمَ أكلُها" (¬1).
وأبى عامةُ أهلِ العلمِ إلَّا تقييدَ هذهِ الآيةِ بجلودِ الأنعام المُذَكَّاةِ أو بِما بعد الدِّباغِ، واستدلُّوا بقولهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أَيُّما إهابٍ دُبغَ فَقَدْ طَهُرَ" (¬2)، وبقوله - صلى الله عليه وسلم - في شاةِ مَيمونَة: "هَلّا أخذتُمْ إهابَها فَدَبَغْتَمُوهُ فانْتَفعْتُمْ بهِ" (¬3).
وقد أفتى بطهارَتهِ عاقَةُ الفُقَهاءِ من أهلِ الحجازِ وغيرِهم (¬4)، إلا مالكًا؛ فإنَّه قالَ في روايةِ ابنِ عبدِ الحَكَمِ: لا يَطْهُرُ بالدِّباغِ، ولكنَّهُ ينتفع بهِ في الأشياءِ اليابسةِ، ولا يُصَلَّى عليه، ولا يؤكل فيه، والمشهورُ عنهُ مثلُ عامةِ الفقُهاء (¬5).
وأبعدَ أحمدُ فمنعَ الانتفاعَ بالجُلودِ بعدَ الدِّباغِ (¬6)، واستدلَّ بما خَرَّجَهُ
¬__________
(¬1) رواه البخاري (1421)، كتاب: الزكاة، باب: الصدقة على موالي أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم -، ومسلم (363)، كتاب: الحيض، باب: طهارة جلود الميتة بالدباغ، عن ابن عباس.
(¬2) رواه مسلم (366)، كتاب: الحيض، باب: طهارة جلود الميتة بالدباغ، والنسائي (4241)، كتاب: الفرع والعتيرة، باب: جلود الميتة وغيرها، عن ابن عباس، وهذا لفظ النسائي.
(¬3) رواه مسلم (363)، كتاب: الحيض، باب: طهارة جلود الميتة بالدباغ، عن ابن عباس.
(¬4) انظر: "المجموع" للنووي (1/ 271) وما بعدها، و"الهداية" للمرغيناني (1/ 20)، و "بدائع الصنائع" للكاساني (1/ 85)، و"بداية المجتهد" لابن رشد (1/ 57)، و "مواهب الجليل" للحطاب (1/ 101).
(¬5) انظر: "التمهيد" لابن عبد البرّ (4/ 156)، و "الاستذكار" لابن عبد البرّ (5/ 300).
(¬6) انظر: "المغني" لابن قدامة (1/ 53)، و "كشاف القناع" للبهوتي (1/ 54).