كتاب تيسير البيان لأحكام القرآن (اسم الجزء: 3)

(من أحكام المعاملات)
185 - (4) قولِهِ جَلَّ جلالُهُ: {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (106)} [النحل: 106].
* أقولُ: أجمعَ الفقهاءُ واتفقوا على أنَّ الإكراهَ مسقِطٌ لأثرِ القولِ (¬1)، وإن كان عَظيمًا كما ذكره الله سبحانَه.
قال النبيَّ - صلى الله عليه وسلم -: "رُفِعَ عَنْ أُمَّتي الخَطَأُ والنِّسيانُ وما اسْتكرِهوا عليهِ" (¬2).
وسبب الآية ما رويناه في قصةِ عَمّارِ بن ياسرٍ أَنَّ المشركينَ أَخذوهُ، فلم يتركوه حَتَّى سَبَّ النبىَّ - صلى الله عليه وسلم -، وذكرَ آلِهَتَهُمِ بِخيرٍ، ثم تركوهُ، فقالَ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم -: "يا عَمّارُ! ما وراءَكَ؟ " قال: شَرٌ، يا رسولَ الله ما تُرِكْتُ حتى نِلْتُ منكَ، وذكرْتُ آلهتَهُم بخيرٍ، فقال: "كيفَ تجدُ قلبَكَ؟ " قلت: مُطْمَئِنًا بالإيمان، قالَ: "إن عادُوا فَعُدْ"؛ فأنزلَ اللهُ عزَّ وجَلَّ {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ} ذلك عمارُ بنُ ياسرٍ، {وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا} ذلكَ عبدُ اللهِ بنُ أبي سَرْحٍ (¬3).
¬__________
(¬1) انظر: "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (10/ 182).
(¬2) تقدم تخريجه.
(¬3) رواه الحاكم في "المستدرك" (3362)، وأبو نعيم في "حلية الأولياء" =

الصفحة 400