كتاب التقاسيم والأنواع (اسم الجزء: 3)
قَالَ: وَبَيْنَا أَنَا أُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلى الله عَلَيه وسَلم إِذْ عَطَسَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ، فَقُلْتُ لَهُ: يَرْحَمُكَ اللهُ، فَحَدَّقَنِي الْقَوْمُ بِأَبْصَارِهِمْ، فَقُلْتُ: وَاثُكْلَ أُمَّيَاهُ، مَا لَكُمْ تَنْظُرُونَ إِلَيَّ! فَضَرَبَ الْقَوْمُ بِأَيْدِيهِمْ عَلَى أَفْخَاذِهِمْ، فَلَمَّا رَأَيْتُهُمْ يُصَمِّتُونَنِي لِكَيْ أَسْكُتَ سَكَتُّ، فَلَمَّا انْصَرَفَ رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَلَيه وسَلم دَعَانِي، فَبِأَبِي هُوَ وَأُمِّي، مَا رَأَيْتُ مُعَلِّمًا قَطُّ قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ، أَحْسَنَ تَعْلِيمًا مِنْهُ، وَاللهِ مَا ضَرَبَنِي، وَلَا كَهَرَنِي، وَلَا شَتَمَنِي، وَلَكِنْ قَالَ: "إِنَّ صَلَاتَنَا هَذِهِ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ، إِنَّمَا هِيَ التَّكْبِيرُ، وَالتَّسْبِيحُ، وَتِلَاوَةُ الْقُرْآنِ". [٢٢٤٨]
ذِكْرُ خَبَرٍ يَحْتَجُّ بِهِ مَنْ جَهِلَ صِنَاعَةَ الْحَدِيثِ وَزَعَمَ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ نَسَخَهُ نَسْخُ الْكَلَامِ فِي الصَّلَاةِ.
٢٧٥٦ - أَخبَرنا عُمَرُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ سِنَانٍ، قَالَ: أَخبَرنا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ أَبِي تَمِيمَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رسول الله صَلى الله عَلَيه وسَلم سَلَّمَ مِنَ اثْنَتَيْنِ مِنْ صَلَاةِ الْعَشِيِّ، فَقَامَ إِلَيْهِ ذُو الْيَدَيْنِ، فَقَالَ: أَقُصِرَتِ الصَّلَاةُ أَمْ نَسِيتَ؟ فَقَالَ: "كُلُّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ"، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ، فَقَالَ: "أَكَمَا يَقُولُ ذُو الْيَدَيْنِ؟ " قَالُوا: نَعَمْ. فَأَتَمَّ مَا بَقِيَ مِنَ الصَّلَاةِ، ثُمَّ سَلَّمَ، ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيِ السَّهْوِ.
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: هَذَا خَبَرٌ أَوْهَمَ عَالَمًا مِنَ النَّاسِ أَنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ كَانَتْ حَيْثُ كَانَ الْكَلَامُ مُبَاحًا فِي الصَّلَاةِ، ثُمَّ نُسِخَ هَذَا الْخَبَرُ بِتَحْرِيمِ الْكَلَامِ فِي الصَّلَاةِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، لأَنَّ نَسْخَ الْكَلَامِ فِي الصَّلَاةِ كَانَ بِمَكَّةَ عِنْدَ رُجُوعِ ابْنِ مَسْعُودٍ مِنْ أَرْضِ الْحَبَشَةِ، وَذَلِكَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِثَلَاثِ سِنِينَ، وَرَاوِي هَذَا الْخَبَرِ أَبُو هُرَيْرَةَ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ أَسْلَمَ سَنَةَ خَيْبَرَ سَنَةَ سَبْعٍ مِنَ الْهِجْرَةِ، فَذَلِكَ مَا وَصَفْتُ، عَلَى أَنَّ قِصَّةَ ذِي الْيَدَيْنِ كَانَ بَعْدَ نَسْخِ الْكَلَامِ فِي الصَّلَاةِ بِعَشْرِ سِنِينَ سَوَاءٌ، فَكَيْفَ يَكُونُ الْخَبَرُ الْمُتَأَخِّرِ مَنْسُوخًا بِالْخَبَرِ الْمُتَقَدِّمِ. [٢٢٤٩]
الصفحة 464