كتاب التقاسيم والأنواع (اسم الجزء: 3)
وَيُؤْتَى بِالَّذِي قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللهِ، فَيُقَالُ لَهُ: فِي مَاذَا قُتِلْتَ؟ فَيَقُولُ: أُمِرْتُ بِالْجِهَادِ فِي سَبِيلِكَ، فَقَاتَلْتُ حَتَّى قُتِلْتُ، فَيَقُولُ اللهُ لَهُ: كَذَبْتَ، وَتَقُولُ لَهُ الْمَلَائِكَةُ: كَذَبْتَ، وَيَقُولُ اللهُ: بَلْ أَرَدْتَ أَنْ يُقَالَ: فُلَانٌ جَرِيٌ، فَقَدْ قِيلَ ذَاكَ.
ثُمَّ ضَرَبَ رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَلَيه وسَلم رُكْبَتِي، فقَالَ: "يَا أَبَا هُرَيْرَةَ أُولَئِكَ الثَّلَاثَةُ أَوَّلُ خَلْقِ اللهِ تُسَعَّرُ بِهِمُ النَّارُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ".
قَالَ الْوَلِيدُ بْنُ أَبِي الْوَلِيدِ: فَأَخْبَرَنِي عُقْبَةُ أَنَّ شُفَيًّا هُوَ الَّذِي دَخَلَ عَلَى مُعَاوِيَةَ فَأَخْبَرَهُ بِهَذَا الْخَبَرِ.
قَالَ أَبُو عُثْمَانَ الْوَلِيدُ: وَحَدَّثَنِي الْعَلَاءُ بْنُ أَبِي حَكِيمٍ، أَنَّهُ كَانَ سَيَّافًا لِمُعَاوِيَةَ، قَالَ: فَدَخَلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ، فَحَدَّثَهُ بِهَذَا، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، فقَالَ مُعَاوِيَةُ: قَدْ فُعِلَ بِهَؤُلَاءِ مِثْلُ هَذَا، فَكَيْفَ بِمَنْ بَقِيَ مِنَ النَّاسِ؟!
ثُمَّ بَكَى مُعَاوِيَةُ بُكَاءً شَدِيدًا حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ هَالِكٌ، وَقُلْنَا: قَدْ جَاءَنَا هَذَا الرَّجُلُ بِشَرٍّ، ثُمَّ أَفَاقَ مُعَاوِيَةُ، وَمَسَحَ عَنْ وَجْهِهِ، فقَالَ: صَدَقَ اللهُ وَرَسُولُهُ {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ (١٥) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلَاّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [هود: ١٥، ١٦].
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أَلْفَاظُ الْوَعِيدِ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَنِ كُلُّهَا مَقْرُونَةٌ بِشَرْطٍ، وَهُوَ: إِلَاّ أَنْ يَتَفَضَّلَ اللهُ جَلَّ وَعَلَا عَلَى مُرْتَكِبِ تِلْكَ الْخِصَالِ بِالْعَفْوِ وَغُفْرَانِ تِلْكَ الْخِصَالِ، دُونَ الْعُقُوبَةِ عَلَيْهَا وَكُلُّ مَا فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَنِ مِنْ أَلْفَاظِ الْوَعْدِ مَقْرُونَةٌ بِشَرْطٍ، وَهُوَ: إِلَاّ أَنْ يَرْتَكِبَ عَامِلُهَا مَا يَسْتَوْجِبُ بِهِ الْعُقُوبَةَ عَلَى ذَلِكَ الْفِعْلِ حَتَّى يُعَاقَبَ، إِنْ لَمْ يَتَفَضَّلْ عَلَيْهِ بِالْعَفْوِ، ثُمَّ يُعْطَى ذَلِكَ الثَّوَابَ الَّذِي وَعَدَ بِهِ له ربه مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ الْفِعْلِ. [٤٠٨]
الصفحة 565