كتاب موسوعة الأعمال الكاملة للإمام محمد الخضر حسين (اسم الجزء: 3/ 1)

أرسل إليهم شعيب بمدين تارة، وبأصحاب الأيكة (¬1) مرة أخرى، فقال: {وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا} [الأعراف: 85]، وقال: {كَذَّبَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ (176) إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلَا تَتَّقُونَ} [الشعراء: 176 - 177]. وقد اختلف أهل العلم في بيان هذا، فقال قوم: إن شعيباً أرسل إلى أمتين: مدين، وهم الذين عُذبوا بالصيحة، وأصحاب الأيكة، وهم الذين أخذهم الله بعذاب يوم الظلة (¬2). وقال آخرون: إن شعيباً أرسل إلى أمة واحدة تسمى: مدين، وهم أنفسهم أصحاب الأيكة، وهذا هو المختار.
قال ابن كثير في "تاريخ": ومن المفسرين من قال: إن أصحاب الأيكة أمة أخرى غير أهل مدين، وقوله ضعيف، لم يوافقوا عليه، وإنما عمدتهم شيئان:
أحدهما: أن الله تعالى قال: {كَذَّبَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ. ولم يقل: أخوهم كما قال: {وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا} [الأعراف: 85].
ثانيهما: أنه ذكر أنه عذب أصحاب الأيكة بعذاب يوم الظلة، وذكر في مدين أنه عذبهم بالرجفة والصيحة.
والجواب عن الأول: أنه تعالى لم يقل: أخاهم بعد ذكر الأيكة؛ لأن ذكره غير مناسب بعد وصفهم بعبادة الأيكة، ولما نسبهم إلى العبيد، ساغ ذكر الأخوة؛ كما قال تعالى: {وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا} [الأعراف: 65] وقال:
¬__________
(¬1) سموا أصحاب الأيكة؛ لأنهم كانوا يسكنون أيكة؛ أي: غيضة تنبت ناعم الشجر، وقيل: الأيكة: اسم للبلد الذي كانوا يسكنونه. والأظهر ما قاله ابن كثير من أنهم كانوا يعبدون أيكة.
(¬2) يعزى هذا إلى السدي، وعكرمة.

الصفحة 16