كتاب التهجد وقيام الليل لابن أبي الدنيا - ط أطلس الخضراء = مقابل

278 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مَرْزُوقٍ، حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: قَالَ الْحَسَنُ: لَقَدْ صَحِبْتُ أَقْوَامًا يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ فِي سَوَادِ هَذَا اللَّيْلِ سُجَّدًا وَقِيَامًا, يَقُومُونَ هَذَا اللَّيْلَ عَلَى أَطْرَافِهِمْ, تَسِيلُ دُمُوعُهُمْ عَلَى خُدُودِهِمْ, فَمَرَّةً رُكَّعًا, وَمَرَّةً سُجَّدًا, يُنَاجُونَ رَبَّهُمْ فِي فِكَاكِ رِقَابِهِمْ, لَمْ يَمَلُّوا كَلاَلَ السَّهَرِ لِمَا قَدْ خَالَطَ قُلُوبَهُمْ مِنْ حُسْنِ الرَّجَاءِ فِي يَوْمِ الْمَرْجِعِ، فَأَصْبَحَ الْقَوْمُ بِمَا أَصَابُوا مِنَ النَّصَبِ لِلَّهِ فِي أَبْدَانِهِمْ فَرِحِينَ, وَبِمَا يَأْمَلُونَ مِنْ حُسْنِ ثَوَابِهِ مُسْتَبْشِرِينَ, فَرَحِمَ اللَّهُ امْرَأً نَافَسَهُمْ فِي مِثْلِ هَذِهِ الأَعْمَالِ, وَلَمْ يَرْضَ مِنْ نَفْسِهِ لِنَفْسِهِ بِالتَّقْصِيرِ فِي أَمْرِهِ, وَالْيَسِيرِ مِنْ فِعْلِهِ, فَإِنَّ الدُّنْيَا عَنْ أَهْلِهَا مُنْقَطِعَةٌ، وَالأَعْمَالَ عَلَى أَهْلِهَا مَرْدُودَةٌ، قَالَ: ثُمَّ يَبْكِي حَتَّى تَبْتَلَّ لِحْيَتُهُ بِالدُّمُوعِ.
279 - حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ، حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ عَاصِمٍ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ، قَالَ: قِيلَ لِلْحَسَنِ: مَا بَالُ الْمُتَهَجِّدِينَ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ وُجُوهًا؟ قَالَ: لأَنَّهُمْ خَلَوْا بِالرَّحْمَنِ, فَأَلْبَسَهُمْ مِنْ نُورِهِ نُورًا.
280 - وَحَدَّثَنِي سَلَمَةُ بْنُ سَهْلٍ، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الإِسْفَذَنِيِّ، قَالَ: قَالَ يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ: وَاللَّهِ مَا رَجُلٌ تَخَلَّى بِأَهْلِهِ عَرُوسًا أَقَرَّ مَا كَانَتْ نَفْسُهُ وَأَسَرَّ مَا كَانَ بِأَشَدِّ سُرُورًا مِنْهُمْ بِمُنَاجَاتِهِ إِذَا خَلَوْا بِهِ.
281 - حَدَّثَنَا أَبُو زَكَرِيَّا الْبَلْخِيُّ، حَدَّثَنَا مُعَمَّرُ بْنُ سُلَيْمَانَ, يَعْنِي الرَّقِّيُّ، عَنِ الْفُرَاتِ بْنِ سَلْمَانَ، أَنَّ الْحَسَنَ كَانَ يَقُولُ: إِنَّ لِلَّهِ عِبَادًا هُمْ وَالْجَنَّةُ كَمَنْ رَآهَا, فَهُمْ فِيهَا مُتَّكِئُونَ، وَهُمْ وَالنَّارُ كَمَنْ رَآهَا, فَهُمْ فِيهَا مُعَذَّبُونَ, قُلُوبُهُمْ مَحْزُونَةٌ, وَشُرُورُهُمْ مَأْمُونَةٌ, وَحَاجَاتُهُمْ خَفِيفَةٌ, وَأَنْفُسُهُمْ عَفِيفَةٌ, أَمَّا اللَّيْلَ فَصَافِّي أَقْدَامِهِمْ, مُفْتَرِشِي جِبَاهِهِمْ, يُنَاجُونَ رَبَّهُمْ فِي فِكَاكِ رِقَابِهِمْ, وَأَمَّا النَّهَارَ فَحُكَمَاءُ عُلَمَاءُ أَبْرَارُ أَتْقِيَاءُ, قَدْ بَرَاهُمُ الْخَوْفُ, فَهُمْ أَمْثَالُ الْقِدَاحِ, فَيَنْظُرُ إِلَيْهِمُ النَّاظِرُ فَيَقُولُ: مَرْضَى وَمَا بِهِمْ مِنْ مَرِضٍ, وَيَقُولُ: قَدْ خُولِطُوا وَقَدْ خَالَطَ الْقَوْمَ أَمْرٌ عَظِيمٌ.

الصفحة 100