كتاب الجوع لابن أبي الدنيا - ط أطلس الخضراء = مقابل
134 - وَقَالَ مُحَمَّدٌ: حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ سُكَيْنٍ الْفَارِسِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي صَاحِبٌ لِي وَكَانَ مِنَ الْمُتَعَبِّدِينَ، قَالَ: زِدْتُ لَيْلَةً فِي فِطْرِي بَعْضَ الزِّيَادَةِ، فَثَقُلْتُ عَنِ الصَّلاَةِ، فَأُرِيتُ فِي مَنَامِي نَوَائِحٌ يَنُحْنَ عَلَيَّ، فَقُلْتُ: تَنُحْنَ عَلَيَّ وَأَنَا حَيٌّ؟ فَقُلْنَ لِي: بَلْ أَنْتَ مِنَ الأَمْوَاتِ، أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ كَثْرَةَ الطَّعَامِ تُوهِنُ الأَبْدَانَ، وَتُمِيتُ الْقَلْبَ الْيَقْظَانَ، وَتَتْرُكُ الْمَرْءَ كَالْوَسْنَانِ؟ قُلْتُ: فَمَا الْمَخْرَجُ لِي، وَمَا الْحِيلَةُ؟ قُلْنَ: تَدَعُ الطَّعَامَ وَأَنْتَ تَشْتَهِيهِ، فَهُوَ أَرْوَحُ لِبَدَنِكَ عِنْدَ سَلاَمَتِهِ، وَأَشَدُّ لِشَهْوَتِكَ لِلطَّعَامِ عِنْدَ مُعَاوَدَتِهِ, قَالَ: فَوَاللَّهِ مَا شَبِعْتُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَمَا وَجَدْتُ الْخَيْرَ إِلاَّ فِي الْبُلَغِ.
135 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا الصَّلْتُ بْنُ حَكِيمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدُ اللهِ بْنُ مَرْزُوقٍ يَقُولُ: لَمْ يُرَ لِلأَشَرِ مِثْلُ الْجُوعِ، قَالَ: فَقَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْعُمَرِيُّ الزَّاهِدُ: وَمَا دَوَامُهُ عِنْدَكَ؟ قَالَ: دَوَامُهُ أَنْ لاَ تَشْبَعَ أَبَدًا، قَالَ: وَكَيْفَ يَقْدِرُ مَنْ كَانَ فِي الدُّنْيَا عَلَى هَذَا؟ قَالَ: يَقُولُ عَبْدُ اللهِ: مَا أَيْسَرَ ذَلِكَ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَلَى أَهْلِ وِلاَيَتِهِ، مَنْ وَفَّقَهُ لِطَاعَتِهِ، لاَ يَأْكُلُ إِلاَّ دُونَ الشِّبَعِ، فَذَاكَ دَوَامُ الْجُوعِ.
136 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَدِيُّ بْنُ سَعِيدٍ...., قَالَ: مَكَثَ إِبْرَاهِيمُ الْمُحَلِّمِيُّ سِتًّا لاَ يَطْعَمُ شَيْئًا، قَالَ: فَاشْتَدَّ جُوعُهُ, وَهُوَ إِذْ ذَاكَ عِنْدَنَا بِالسَّاحِلِ، قَالَ: فَجَعَلَ وَاللَّهِ يَجُولُ فِي اللَّيْلِ عَلَى السَّاحِلِ وَهُوَ يَقُولُ:
وَتَشْغَلُ هَمَّ الْقَلْبِ بِالطُّعَمِ تَارَةً ... وَتَتْرُكَ جُوعَ النَّفْسِ خَيْرَ الْمَطَالِبِ.
فَلَمْ يَزَلْ يُرَدِّدُ ذَلِكَ وَيَجُولُ حَتَّى أَصْبَحَ، وَلَمْ يَطْعَمْ شَيْئًا، فَأَكْمَلَهَا سَبْعَةَ أَيَّامٍ لَمْ يَطْعَمْ فِي لَيْلِهِنَّ، وَلاَ نَهَارِهِنَّ شَيْئًا.
الصفحة 263
630