كتاب الخمول والتواضع لابن أبي الدنيا - ط أطلس الخضراء = مقابل

14 - حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ هِشَامٍ الْبَزَّارُ، حَدَّثَنَا أَبُو شِهَابِ بْنُ الْحَنَّاطِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ رَجُلٍ، عَنِ ابْنِ مُنَبِّهٍ قَالَ: لَمَّا بُعِثَ مُوسَى وَهَارُونَ إِلَى فِرْعَوْنَ قَالَ: لاَ يَرُعْكُمَا لِبَاسُهُ الَّذِي لَبِسَ مِنَ الدُّنْيَا, فَإِنَّ نَاصِيَتَهُ بِيَدِي لَيْسَ يَنْطِقُ وَلاَ يَطْرِفُ وَلاَ يَتَنَفَّسُ إِلاَ بِإِذْنِي، وَلاَ يُعْجِبُكُمَا مَا مُتِّعَ بِهِ مِنْهَا, فَإِنَّمَا هِيَ زَهْرَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا, وَزِينَةُ الْمُتْرَفِينَ، وَلَوْ شِئْتُ أَنْ أُزَيِّنَكُمَا بِزِينَةٍ مِنَ الدُّنْيَا يَعْرِفُ فِرْعَوْنُ حِينَ يَرَاهَا أَنَّ مَقْدِرَتَهُ [تَعْجِزُ] عَمَّا أُوتِيتُمَا لَفَعَلْتُ، وَلَكِنِّي أَرْغَبُ بِكُمَا عَنْ ذَلِكَ, فَأَزْوِي ذَلِكَ عَنْكُمَا, وَكَذَلِكَ أَفْعَلُ بِأَوْلِيَائِي.
وَقَدِيمًا مَا خِرْتُ لَهُمْ فِي أُمُورِ الدُّنْيَا، إِنِّي لأَذُودُهُمْ عَنْ نَعِيمِهَا كَمَا يَذُودُ الرَّاعِي الشَّفِيقُ غَنَمَهُ عَنْ مَوَارِدِ الْهَلَكَةِ، وَإِنِّي لأَجَنِّبُهُمْ سَلْوَتَهَا كَمَا يُجَنِّبُ الرَّاعِي الشَّفِيقُ إِبِلَهُ عَنْ مَبَارِكِ الْعُرَّةِ وَمَا ذَاكَ لِهَوَانِهِمْ عَلَيَّ؛ وَلَكِنْ لِيَسْتَكْمِلُوا نَصِيبَهُمْ مِنْ كَرَامَتِي سَالِمًا مَوْفُورًا لَمْ يُكْمِلْهُ الطَّمَعُ، وَلَمْ تَنْتَقِصْهُ الدُّنْيَا بِغُرُورِهَا إِنَّمَا يَتَزَيَّنُ لِي أَوْلِيَائِي بِالذُّلِّ وَالْخُشُوعِ وَالْخَوْفِ، وَالتَّقْوَى تَثْبُتُ فِي قُلُوبِهِمْ فَتَظْهَرُ عَلَى أَجْسَادِهِمْ فَهِيَ ثِيَابُهُمُ الَّتِي يَلْبَسُونَ وَدِثَارُهُمُ الَّذِي يُظْهِرُونَ، وَضَمِيرُهُمُ الَّذِي يَسْتَشْعِرُونَ، وَنَجَاتُهُمُ الَّتِي بِهَا يَفُوزُونَ، وَرَجَاؤُهُمُ الَّذِي إِيَّاهُ يُؤَمِّلُونَ، وَمَجْدُهُمُ الَّذِي بِهِ يَفْخَرُونَ وَسِيمَاهُمُ الَّتِي بِهَا يُعْرَفُونَ فَإِذَا لَقِيتَهُمْ فَاخْفِضْ لَهُمْ جَنَاحَكَ وَذَلِّلْ لَهُمْ قَلْبَكَ وَلِسَانَكَ، وَاعْلَمْ أَنَّهُ مَنْ أَخَافَ لِي وَلِيًّا فَقَدْ بَارَزَنِي بِالْمُحَارَبَةِ, ثُمَّ أَنَا الثَّائِرُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
15 - حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ حَاتِمٍ، حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي بُكَيْرٍ، عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ لَيْثٍ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ، عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: طُوبَى لِكُلِّ عَبْدٍ نُوَمَةٍ، عَرَفَ النَّاسَ وَلَمْ يَعْرِفْهُ النَّاسُ، وَعَرَفَهُ اللَّهُ مِنْهُ بِرِضْوَانٍ، أُولَئِكَ مَصَابِيحُ الدُّجَى, تُجَلَّى عَنْهُمْ كُلُّ فِتْنَةٍ مُظْلِمَةٍ، أُولَئِكَ لَيْسُوا بِالْمَذَايِيعِ الْبُذْرِ، وَلاَ الْجُفَاةِ الْمُرَائِينَ.
قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ الأَعْرَابِيِّ يَقُولُ: النُّوَمَةُ الَّذِي لاَ يَدْخُلُ مَعَ النَّاسِ فِيمَا هُمْ فِيهِ.

الصفحة 358