كتاب ذم الدنيا لابن أبي الدنيا - ط أطلس الخضراء = مقابل

212 - حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَالِحِ بْنِ مُسْلِمٍ الْعِجْلِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي رَجُلٌ مِنْ بَنِي شَيْبَانَ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ خَطَبَ فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، أَحْمَدُهُ وَأَسْتَعِينُهُ وَأُومِنُ بِهِ، وَأَتَوَكَّلُ عَلَيْهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، أَرْسَلَهُ بِالْهُدْى وَدِينِ الْحَقِّ لِيَزِيحَ بِهِ عِلَّتَكُمْ، وَلِيُوقِظَ بِهِ غَفْلَتَكُمْ. وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مَيِّتُونَ وَمَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ، وَمَوْقُوفُونَ عَلَى أَعْمَالِكُمْ، وَمَجْزِيُّونَ بِهَا، فَلاَ تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا، فَإِنَّهَا دَارٌ بِالْبَلاَءِ مَحْفُوفَةٌ، وَبِالْفَنَاءِ مَعْرُوفَةٌ، وَبِالْغَدْرِ مَوْصُوفَةٌ، فَكُلُّ مَا فِيهَا إِلَى زَوَالٍ،
وَهِيَ بَيْنَ أَهْلِهَا دُوَلٌ وَسِجَالٌ، لاَ تَدُومُ أَحْوَالُهَا، وَلَنْ يَسْلَمَ مِنْ شَرِّهَا نُزَّالُهَا، بَيْنَا أَهْلُهَا مِنْهَا فِي رَخَاءٍ وَسُرُورٍ، إِذَا هُمْ مِنْهَا فِي بَلاَءٍ وَغُرُورٍ، أَحْوَالٌ مُخْتَلِفَةٌ، وَتَارَاتٌ مُتَصَرِّفَةٌ، وَالْعَيْشُ فِيهَا مَذْمُومٌ، وَالرَّخَاءُ فِيهَا لاَ يَدُومُ، وَإِنَّمَا أَهْلُهَا فِيهَا أَغْرَاضٌ مُسْتَهْدَفَةٌ، تَرْمِيهِمْ بِسِهَامِهَا، وَتُغَصُهُمْ بِحِمَامِهَا، وَكُلٌّ حَتْفُهُ فِيهَا مَقْدُورٌ، وَحَظُّهُ فِيهَا مَوْفُورٌوَاعْلَمُوا - عِبَادَ اللَّهِ - أَنَّكُمْ وَمَا أَنْتُمْ فِيهِ مِنْ زَهْرَةِ هَذِهِ الدُّنْيَا عَلَى سَبِيلِ مَنْ قَدْ مَضَى، مِمَّنْ كَانَ أَطْوَلَ مِنْكُمْ أَعْمَارًا، وَأَشَدَّ مِنْكُمْ بَطْشًا، وَأَعْمَرَ دِيَارًا، وَأَبْعَدَ آثَارًا، فَأَصْبَحَتْ أَصْوَاتُهُمْ هَامِدَةً خَامِدَةً مِنْ بَعْدِ طُولِ تَقَلُّبِهَا، وَأَجْسَادُهُمْ بَالِيَةً، وَدِيَارُهُمْ خَالِيَةً، وَآثَارُهُمْ عَافِيَةً، وَاسْتَبْدَلُوا بِالْقُصُورِ الْمُشَيَّدَةِ،

الصفحة 491