كتاب ذم الدنيا لابن أبي الدنيا - ط أطلس الخضراء = مقابل

وَالسُّرُرِ وَالنَّمَارِقِ الْمُمَهَّدَةِ الصُّخُورَ وَالأَحْجَارَ الْمُسْنَدَةَ فِي الْقُبُورِ اللَّاطِئَةَ الْمُلْحَدَةَ الَّتِي قَدْ بُنِيَ بِالْخَرَابِ فَنَاؤُهَا، وَشُيِّدَ بِالتُّرَابِ بِنَاؤُهَا، فَمُحِلُّهَا مُقْتَرِبٌ، وَسَاكِنُهَا مُغْتَرِبٌ بَيْنَ أَهْلِ عِمَارَةٍ مُوحِشِينَ، وَأَهْلِ مَحَلَّةٍ مُتَشَاغِلِينَ، لاَ يَسْتَأْنِسُونَ بِالْعُمْرَانِ، وَلاَ يَتَوَاصَلُونَ تَوَاصُلَ الْجِيرَانِ وَالْإِخْوَانِ عَلَى مَا بَيْنَهُمْ مِنْ قُرْبِ الْجِوَارِ وَدُنُوِّ الدَّارِوَكَيْفَ يَكُونُ بَيْنَهُمْ تَوَاصُلٌ وَقَدْ طَحَنَهُمْ بِكَلْكَلِهِ الْبِلَى، وَأَكَلَتْهُمُ الْجَنَادِلُ وَالثَّرَى، فَأَصْبَحُوا بَعْدَ الْحَيَاةِ أَمْوَاتًا، وَبَعْدَ غَضَارَةِ الْعَيْشِ رُفَاتًا، فُجِعَ بِهِمُ الأَحْبَابُ، وَسَكَنُوا التُّرَابَ، وَظَعَنُوا فَلَيْسَ لَهُمْ إِيَابٌ. هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ {كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ}
فَكَأَنْ قَدْ صِرْتُمْ إِلَى مَا صَارُوا إِلَيْهِ مِنَ الْبِلَى وَالْوَحْدَةِ فِي دَارِ الْمَوْتَى، وَارْتُهِنْتُمْ فِي ذَلِكَ الْمَضْجَعِ، وَضَمَّكُمْ ذَلِكَ الْمُسْتَوْدَعُ، فَكَيْفَ بِكُمْ لَوْ قَدْ تَنَاهَتْ بِكُمُ الْأُمُورُ، وَبُعْثِرَتِ الْقُبُورُ، وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ، وَأَوْقِفْتُمْ لِلتَّحْصِيلِ بَيْنَ يَدَيِ الْمَلِكِ الْجَلِيلِ، فَطَارَتِ الْقُلُوبُ لِإِشْفَاقِهَا مِنْ سَالِفِ الذُّنُوبِ، وَهُتِكَتْ عَنْكُمُ الْحُجُبُ وَالأَسْتَارُ، وَظَهَرَتْ مِنْكُمُ الْغُيُوبُ وَالأَسْرَارُ؟ هُنَالِكَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ، إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاؤُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى} وَقَالَ تَعَالَى: {وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لاَ يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} جَعَلْنَا اللَّهُ وَإِيَّاكُمْ عَامِلِينَ بِكِتَابِهِ، مُتَّبِعِينَ لِأَوْلِيَائِهِ، حَتَّى يُحِلَّنَا وَإِيَّاكُمْ دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ، إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.
213 - حَدَّثَنِي أَزْهَرُ بْنُ مَرْوَانَ الرَّقَاشِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ مَالِكَ بْنَ دِينَارٍ، يَقُولُ: بِقَدْرِ مَا تَفْرَحُ لِلدُّنْيَا كَذَلِكَ تُخْرِجُ حَلاَوَةَ الْآخِرَةِ مِنْ قَلْبِكَ.
214 - وَحَدَّثَنِي أَزْهَرُ بْنُ مَرْوَانَ، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ مَالِكَ بْنَ دِينَارٍ، يَقُولُ: قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ لِلْحَوَارِيِّينَ: يَا مَعْشَرَ الْحَوَارِيِّينَ كُلُوا خُبْزَ الشَّعِيرِ، وَالْمَاءَ الْقَرَاحَ وَنَبَاتَ الأَرْضِ، فَإِنَّكُمْ لاَ تَقُومُونَ بِشُكْرِهِ، وَاعْلَمُوا أَنَّ حَلاَوَةَ الدُّنْيَا مُرَارَةُ الْآخِرَةِ.

الصفحة 492