كتاب ذم الدنيا لابن أبي الدنيا - ط أطلس الخضراء = مقابل

269 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: قِيلَ لِبَعْضِ الْحُكَمَاءِ: صِفْ لَنَا الدُّنْيَا وَمُدَّةَ الْبَقَاءِ. فَقَالَ: الدُّنْيَا وَقْتُكَ الَّذِي يَرْجِعُ إِلَيْكَ فِيهِ طَرْفُكَ، لِأَنَّ مَا مَضَى عَنْكَ فَقَدْ فَاتَكَ إِدْرَاكُهُ، وَمَا لَمْ يَأْتِ فَلاَ عِلْمَ لَكَ بِهِ، وَالدَّهْرُ يَوْمٌ مُقْبِلٌ تَنْعَاهُ لَيْلَتُهُ، وَتَطْوِيهِ سَاعَاتُهُ وَأَحْدَاثُهُ تَنْتَضِلُ فِي الْإِنْسَانِ بِالتَّغَيُّرِ وَالنُّقْصَانِ، وَالدَّهْرُ مُوَكَّلٌ بِتَشْتِيتِ الْجَمَاعَاتِ، وَانْخِرَامِ الشَّمْلِ وَتَنَقُّلِ الدُّوَلِ، وَالأَمَلُ طَوِيلٌ، وَالْعُمْرُ قَصِيرٌ، وَإِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ تَصِيرُ الْأُمُورُ.
270 - أَنْشَدَنِي مَحْمُودٌ الْوَرَّاقُ قَوْلَهُ:
الْمَرْءُ دُنْيَا نَفْسِهِ ... فَإِذَا انْقَضَى فَقَدِ انْقَضَتْ
تَفْنَى لَهُ بِفِنَائِهِ ... وَيَعُودُ فِيمَنْ حَصَّلَتْ
مَا خَيْرُ مُرْضِعَةٍ بِكَأْسِ الْمَوْتِ ... تَفْطِمُ مَنْ غَذَتْ
بَيْنَا تَرُبُّ صَلاَحَهُ ... إِذْ أَفْسَدَتْ مَا أَصْلَحَتْ.
271 - حَدَّثَنِي حَمْزَةُ بْنُ الْعَبَّاسِ، أَخبَرَنا عَبْدَانُ بْنُ عُثْمَانَ، أَخبَرَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، أَخْبَرَنِي مَعْمَرٌ، وَيُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ الْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَمْرَو بْنَ عَوْفٍ وَهُوَ حَلِيفُ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ، وَكَانَ شَهِدَ بَدْرًا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ فَجَاءَهُ بِمَالٍ مِنَ الْبَحْرَيْنِ، فَسَمِعَتِ الأَنْصَارُ بِقُدُومِ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ، فَوَافَوْا صَلاَةَ الْفَجْرِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْصَرَفَ، فَتَعَرَّضُوا لَهُ، فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ رَآهُمْ، ثُمَّ قَالَ: أَظُنُّكُمْ سَمِعْتُمْ أَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ قَدِمَ بِشَيْءٍ؟ قَالُوا: أَجَلْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: فَأَبْشِرُوا وَأَمِّلُوا مَا يَسُرُّكُمْ، فَوَاللَّهِ مَا الْفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ، وَلَكِنِّي أَخْشَى عَلَيْكُمْ أَنْ تُبْسَطَ الدُّنْيَا عَلَيْكُمْ، كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ قَبْلَكُمْ، فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا، وَتُهْلِكُكُمْ كَمَا أَهْلَكَتْهُمْ.

الصفحة 509