كتاب ذم الدنيا لابن أبي الدنيا - ط أطلس الخضراء = مقابل

297 - حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: حَدَّثَنِي صَالِحُ بْنُ مَالِكٍ، قَالَ: كَتَبَتْ أُمُّ إِبْرَاهِيمَ الصَّائِغِ إِلَى إِبْرَاهِيمَ، وَكَانَ يَوْمَئِذٍ مُجَاوِرًا بِمَكَّةَ تَسْأَلُهُ الْقُدُومَ عَلَيْهَا، فَكَتَبَ إِلَيْهَا بِكِتَابٍ فِيهِ: إِنَّ مَرْوَ الَّتِي يُعْجِبُكِ مُلاَقَاتِي إِيَّاكِ فِيهَا لَيْسَتْ بِدَارِ دَوَامٍ، وَلَكِنَّ مَرْوَ مَنْزِلُ أَسْفَارٍ وَأَبْنَاءِ سَبِيلٍ، الْمَقَامُ فِيهَا بِبِرِّ الْأُمَّهَاتِ وَالأَوْلاَدِ يَسِيرٌ حَتَّى يَصِيرُوا مِنْهَا إِلَى دَارَيْنِ: إِحْدَاهُمَا فُرْقَةٌ لاَ تَوَاصُلَ فِيهَا، وَالْأُخْرَى صِلَةٌ لاَ تَفَرُّقَ فِيهَا، فَإِنْ كُنْتِ فِي شَكٍّ مِنْ ذَلِكَ فَأَيْنَ الْمُلُوكُ الَّذِينَ نَزَلُوهَا؟ وَأَيْنَ الْجُمُوعُ الَّذِينَ كَانُوا فِيهَا؟ وَأَيْنَ الْأُمَمُ الَّذِينَ تَشَاحَّتْ عَلَيْهَا؟ وَأَيْنَ الْبَنَّاؤُونَ الَّذِينَ ضَرَبُوا اللَّبِنَ فِي تَحْصِينِهَا؟ إِنْ تَدْعِيهِمْ لاَ يَسْمَعُوا، بُذلُوا بِالْحَيَاةِ مَوْتًا، كَأَنْ لَمْ يَعْمُرُوهَا، وَلَمْ يَسْكُنُوهَا، فَهَلْ يَنْفَعُ مَعَ هَذَا الْهَمِّ حَبِيبٌ حَبِيبًا، وَخَلِيلٌ خَلِيلًا؟ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَحَدٍ لِأَحَدٍ إِلَّا مَا كَانَ لَهُ فِي الْآخِرَةِ، فَأَمَّا أَهْلُ الدُّنْيَا فَمُتَحَوِّلُونَ مِنْهَا عَنْ قَرِيبٍ، وَالسَّلاَمُ.
298 - حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الْمُزَنِيُّ، عَنْ عَمَّارِ بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: مَرَّ الْمَسِيحُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ بِقَرْيَةٍ فَإِذَا أَهْلُهَا مَوْتَى فِي الأَفْنِيَةِ وَالطُّرُقِ، فَقَالَ لَهُمْ: يَا مَعْشَرَ الْحَوَارِيِّينَ إِنَّ هَؤُلاَءِ مَاتُوا عَنْ سَخْطَةٍ، وَلَوْ مَاتُوا عَنْ غَيْرِ ذَلِكَ لَتَدَافَنُوا، قَالُوا: يَا رُوحَ اللَّهِ وَدِدْنَا أَنَّا عَلِمْنَا خَبَرَهُمْ. فَسَأَلَ رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، فَأَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إِلَيْهِ: إِذَا كَانَ اللَّيْلُ فَنَادِهِمْ يُجِيبُوكَ، فَلَمَّا كَانَ اللَّيْلُ أَشْرَفَ عَلَى نَشْزٍ ثُمَّ نَادَى: يَا أَهْلَ الْقَرْيَةِ فَأَجَابَهُ مُجِيبٌ: لَبَّيْكَ يَا رُوحَ اللَّهِ، فَقَالَ: مَا حَالُكُمْ؟ وَمَا قِصَّتُكُمْ؟ قَالُوا: أَمْسَيْنَا فِي عَافِيَةٍ، وَأَصْبَحْنَا فِي الْهَاوِيَةِ ,

الصفحة 518