كتاب ذم الدنيا لابن أبي الدنيا - ط أطلس الخضراء = مقابل

358 - قَرَأْتُ فِي كِتَابِ دَاوُدَ بْنِ رُشَيْدٍ، حَدَّثَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ: طَالِبُ الدُّنْيَا مِثْلُ شَارِبِ مَاءِ الْبَحْرِ، كُلَّمَا ازْدَادَ شُرْبًا ازْدَادَ عَطَشًا حَتَّى يَقْتُلَهُ.
359 - حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ أَبُو الْمُغِيرَةِ الْبَصْرِيُّ: لَوْ أَنَّ عَبْدًا أَشْغَلَ نَفْسَهُ نَفَسًا مِنْ أَنْفَاسِهِ فَأَصَابَ بِذَلِكَ النَّفَسِ الدُّنْيَا بِمَا فِيهَا لَكَانَ هُوَ الْمَغْبُونُ فِي حَاضِرِ الْقِيمَةِ.
360 - وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ: يَا مَعْشَرَ الْحَوَارِيِّينَ، ازْهَدُوا فِي الدُّنْيَا تَمْشُوا فِيهَا بِلاَ هَمٍّ.
361 - قَالَ: وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: قَالَ أَبُو هَاشٍمٍ: كَانًوا وَإِنْ كَانَتِ الدُّنْيَا بِأَيْدِيهِمْ كَانُوا فِيهِ للَّهِ خُزَّانًا، لَمْ يُنْفِقُوا فِي شَهَوَاتِهِمْ وَلاَ لَذَّاتِهِمْ، كَانُوا إِذَا وَرَدَ عَلَيْهِمْ حَقٌّ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى أَمْضَوْهَا فِيهِ.
362 - قَرَأْتُ فِي كِتَابِ دَاوُدَ بْنِ رُشَيْدٍ: قَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: كُلُّ شَيْءٍ فَاتَكَ مِنَ الدُّنْيَا غَنِيمَةٌ.
363 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمَدِينِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ الْحِمْصِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو رَاشِدٍ التَّنُوخِيُّ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ مَيْسَرَةَ، قَالَ: كَانَ أَشْيَاخُنَا يُسَمُّونَ الدُّنْيَا خِنْزِيرَةً، وَلَوْ وَجَدُوا لَهَا اسْمًا شَرًّا مِنْهُ سَمُّوهَا بِهِ، وَكَانُوا إِذَا أَقْبَلَتْ إِلَى أَحَدِهِمْ دُنْيَا قَالُوا: إِلَيْكِ إِلَيْكِ يَا خِنْزِيرَةُ، لاَ حَاجَةَ لَنَا بِكِ، إِنَّا نَعْرِفُ إِلَهَنَا.
364 - حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عِيسَى، أَخبَرَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، قَالَ: أَخبَرَنا مَعْمَرٌ، وَيُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، أَخْبَرَهُ أَنَّ الْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَمْرَو بْنَ عَوْفٍ، وَهُوَ حَلِيفُ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ وَكَانَ شَهِدَ بَدْرًا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخْبَرَهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ إِلَى الْبَحْرَيْنِ لَيَأْتِيَ بِجِزْيَتِهَا، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ صَالِحَ أَهْلَ الْبَحْرَيْنِ، وَأَقرَ عَلَيْهِمُ الْعَلاَءَ بْنَ الْحَضْرَمِيِّ، فَقَدِمَ أَبُو عُبَيْدَةَ بِمَالٍ مِنَ الْبَحْرَيْنِ فَسَمِعَتِ الأَنْصَارُ بِقُدُومِ أَبِي عُبَيْدَةَ، فَوَافَوْا صَلاَةَ الْفَجْرِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَعَرَّضُوا لَهُ، فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ رَآهُمْ، ثُمَّ قَالَ: أَظُنُّكُمْ سَمِعْتُمْ أَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ قَدِمَ بِشَيْءٍ؟ قَالُوا: أَجَلْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ: أَبْشِرُوا وَأَمِّلُوا مَا يَسُرُّكُمْ، فَوَاللَّهِ مَا الْفَقْرُ أَخْشَى عَلَيْكُمْ، وَلَكِنِّي أَخْشَى أَنْ تُبْسَطَ الدُّنْيَا عَلَيْكُمْ كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، فَتَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا قَبْلَكُمْ، فَتُهْلِكَكُمْ كَمَا أَهْلَكَتْهُمْ.

الصفحة 532