كتاب ذم الدنيا لابن أبي الدنيا - ط أطلس الخضراء = مقابل

508 - حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ قَالَ: كَتَبَ رَجُلٌ إِلَى أَخٍ لَهُ: أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي أُحَدِّثُكَ عَنْ نَفْسِي بِمَا لاَ أَرْضَاهُ مِنْهَا، وَعَنْ قَلْبِي بِمَا أَخَافُ سُوءَ عَاقِبَتِهِ، إِنَّ لِي نَفْسًا تُحِبُّ الدَّعَةَ، وَقَلْبًا يَأْلَفُ اللَّذَّاتِ، وَهِمَّةً تَسْتَثْقِلُ الطَّاعَةَ، وَقَدْ رَهَّبْتُ نَفْسِي الآفَاتِ، وَحَذَّرْتُ قَلْبِي الْمَوْتَ، وَزَجَرْتُ هِمَّتِي عَنِ التَّقْصِيرِ، وَلَمْ أَرْضَ مَا رَجَعَ مِنْهُنَّ، فَاهْدِ لِي مَا أَسْتَعِينُ بِهِ عَلَى بَعْضِ مَا شَكَوْتُ إِلَيْكَ، فَقَدْ خِفْتُ الْمَوْتَ قَبْلَ الِاسْتِعْدَادِ لَهُ، وَالسَّلاَمُ فَكَتَبَ إِلَيْهِ: أَمَّا بَعْدُ، فَقَدْ كَثُرَ تَعَجُّبِي مِنْ قَلْبٍ يَأْلَفُ الدُّنْيَا، وَيَطْمَعُ فِي الْبَقَاءِ، وَالسَّاعَاتُ تَنْقُلُنَا، وَالأَيَّامُ تَطْوِي أَعْمَارَنَا، فَكَيْفَ نَأْلَفُ مَا لاَ ثَبَاتَ لَهُ، وَكَيْفَ تَنْعَمُ عَيْنٌ لاَ نَدْرِي لَعَلَّهَا لاَ تَطْرِفُ بَعْدَ رَقْدَتِهَا إِلَّا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ لِلسُّؤَالِ، وَالسَّلاَمُ.
509 - وَحَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ قَالَ: كَتَبَ رَجُلٌ إِلَى أَخٍ لَهُ: أَمَّا بَعْدُ، فَأَحْسِنْ ضِيَافَةَ يَوْمِكَ الَّذِي أَنْتَ فِيهِ، وَزَوِّدْهُ مِنْكَ بِرًّا قَبْلَ شُخُوصِهِ عَنْكَ، وَأَشْفِقْ مِنْ طُلُوعِ التَّنْغِيصِ عَلَيْكَ مِنْ بَعْضِ سَاعَاتِهِ، وَالسَّلاَمُ
510 - أَنْشَدَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ لِلْمُغِيرَةِ بْنِ حَبْنَاءَ:
يُطَاوِحُنِي يَوْمٌ جَدِيدٌ وَلَيْلَةٌ ... هُمَا أَفْنَيَا عُمْرِي وَكُلُّ فَتًى بَالٍ
إِذَا مَا سَلَخْتُ الشَّهْرَ أَهْدَمْتُ مِثْلَهُ ... كَفَى مُبْلِيًا سَلْخِي الشُّهُورَ وَإِهْلاَلِ.
511 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ قُدَامَةَ الْجَوْهَرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الثَّقَفِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ الْقَاسِمَ بْنَ غَزْوَانَ، يَذْكُرُهُ قَالَ: كَانَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ رَحِمَهُ اللَّهُ يَتَمَثَّلُ بِهَذِهِ الأَبْيَاتِ:
أَيَقْظَانُ أَنْتَ الْيَوْمَ أَمْ أَنْتَ نَائِمُ ... وَكَيْفَ يَطِيقُ النَّوْمَ حَيْرَانُ هَائِمُ
فَلَوْ كُنْتَ يَقْظَانَ الْغَدَاةَ لَحَرَّقَتْ ... مَدَامِعَ عَيْنَيْكَ الدُّمُوعُ السَّوَاجِمُ
بَلْ أَصْبَحْتَ فِي النَّوْمِ الطَّوِيلِ ... وَقَدْ دَنَتْ إِلَيْكَ أُمُورٌ مُفْظِعَاتٌ عَظَائِمُ
نَهَارُكَ يَا مَغْرُورُ سَهْوٌ وَغَفْلَةٌ ... وَلَيْلُكَ نَوْمٌ وَالرَّدَى لَكَ لاَزِمُ
يَغُرُّكَ مَا يَفْنَى وَتُشْغَلُ بِالْمُنَى ... كَمَا غُرَّ بِاللَّذَّاتِ فِي النَّوْمِ حَالِمُ
وَتُشْغَلُ فِيمَا سَوْفَ تَكْرَهُ غِبَّهُ ... كَذَلِكَ فِي الدُّنْيَا يَعِيشُ الْبَهَائِمُ.

الصفحة 568