كتاب ذم الدنيا لابن أبي الدنيا - ط أطلس الخضراء = مقابل

548 - أَنْشَدَنِي شَيْخٌ لَنَا:
سَلِ الأَحدَاثَ عَنْ صُوَرٍ بَلِينَا ... وَعَنْ خَلْقٍ نَعِمْنَ فَصِرْنَ طِينَا
وَعَنْ مَلِكٍ تَعَزَّزَ بِالأَمَانِي ... وَكَانَ يَظُنُّ أَنْ سَيَعِيشُ حِينَا
فَجَادَ بِنَفْسِهِ لَمَّا أَتَاهُ ... وَكَانَ بِوَجْدِهَا أَبَدًا ضَنِينَا
فَصَارَ عَلَى الْيَمِينِ إِلَى التَّنَادِي ... بِلاَ حَرَكِ الْمُقَلِّبِ لِلْيَمِينَا
لَقَدْ أَبَتِ الْقُبُورُ عَلَى شَفِيقٍ ... أَتَاهَا أَنْ تَفُكَّ لَهُ رَهِينَا
هِيَ الدُّنْيَا تُفَرِّقُ كُلَّ جَمْعٍ ... وَإِنْ أَلِفَ الْقَرِينُ بِهِ الْقَرِينَا.
549 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ قَبِيصَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ الثَّوْرِيَّ، يَقُولُ: خَيْرُ الدُّنْيَا لَكُمْ مَا لَمْ تُبْتَلَوْا بِهِ مِنْهَا، فَإِذَا ابْتُلِيتُمْ بِهَا فَخَيْرُهَا لَكُمْ مَا خَرَجَ عَنْ أَيْدِيكُمْ مِنْهَا.
550 - حَدَّثَنِي صَالِحُ بْنُ مَالِكٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ النَّاجِي، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: إِنَّكُمْ أَصْبَحْتُمْ فِي دَارٍ مَذْمُومَةٍ لِأَهْلِهَا، خُلِقَتْ فِتْنَةً، وَضُرِبَ لَهَا أَجَلٌ، إِذَا انْتَهَتْ إِلَيْهِ تَنْفَذُ، فَهِيَ دَارُ قُلْعَةٍ، وَمُنْزِلُ بُلْغَةٍ، أَخْرَجَ نَبَاتَهَا، وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ، ثُمَّ أَخْبَرَهُمْ خَبَرَ الَّذِي هُمْ إِلَيْهِ صَائِرُونَ، وَأَمَرَ فِيهِ عِبَادَهُ فِيمَا أَخْرَجَ لَهُمْ مِنْ ذَلِكَ بِطَاعَتِهِ، وَأَمَرَهُمْ وَبَيَّنَ لَهُمْ سَبِيلَهَا، وَوَعَدَهُمُ الْخَيْرَ عَلَيْهِ، فَهُمْ فِي قَبْضَتِهِ، فَلَيْسَ مِنْهُمْ مُعْجِزٌ لَهُ، وَلَيْسَ مِنْ أَعْمَالِهِمْ شَيْءٌ يَخْفَى عَلَيْهِ، فَهُمْ يَعْمَلُونَ أَعْمَالًا مُخْتَلِفَةً، سَعْيُهُمْ فِيهَا شَتَّى بَيْنَ عَاصٍ وَمُطِيعٍ، وَلِكُلٍ جَزَاءٌ مِنَ اللَّهِ بِمَا عَمِلَ، وَنُصِيبٌ غَيْرُ مَنْقُوصٍ، وَلَمْ أَسْمَعِ اللَّهَ تَعَالَى فِيمَا عَهِدَ إِلَى عِبَادِهِ، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِمْ مِنْ كِتَابِهِ رَغَّبَ فِي الدُّنْيَا أَحَدًا مِنْ خَلْقِهِ، وَلاَ رَضِيَ لَهُمْ بِالطُّمَأْنِينَةِ فِيهَا، وَلاَ الرُّكُونِ إِلَيْهَا، بَلْ صَرَّفَ اللَّهُ فِيهَا الآيَاتِ، وَضَرَبَ لَهَا الأَمْثَالَ فِي الْعَيْبِ لَهَا، وَالنَّهْيِ عَنْهَا، وَالرَّغْبَةِ فِي غَيْرَهَا، وَقَدْ تَبَيَّنَ لِلصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ أَنَّ الأَمْرَ الَّذِي خُلِقَتْ لَهُ الدُّنْيَا وَأَهْلُهَا عَظِيمُ الشَّأْنِ، هَائِلُ الْمَطْلَعِ، عَسِيرٌ وَاللَّهِ بِمَا هُمْ فِيهِ، لاَ يُشْبِهُ ثَوَابَهُمْ وَلاَ عِقَابَهُمْ، وَلَكِنَّهَا دَارُ الْخُلُودِ، يَدِينُ اللَّهُ الْعِبَادَ بِأَعْمَالِهِمْ، وَيُنْزِلُهُمْ مَنَازِلَهُمْ، ثُمَّ لاَ يَتَغَيَّرُ بُؤْسٌ عَنْ أَهْلِهِ وَلاَ نُعَيْمٌ، وَأَنَّ الدُّنْيَا دَارُ عَمَلٍ، مَنْ صَحِبَهَا بِالْبُغْضِ لَهَا وَالزَّهَادَةِ فِيهَا، وَالْهَضْمِ لَهَا سَعِدَ بِهَا، وَنَفَعَتْهُ صُحْبَتُهَا،

الصفحة 578