كتاب ذم الدنيا لابن أبي الدنيا - ط أطلس الخضراء = مقابل

569 - وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَارَةَ، حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الصَّلْتِ بْنِ بَهْرَامَ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: مَا بُسِطَتِ الدُّنْيَا لِأَحَدٍ إِلَّا اغْتِرَارًا
570 - أَنْشَدَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ:
كَفَلْتُ لِطَالِبِ الدُّنْيَا بِهَمٍّ طَوِيلٍ ... لاَ يَئُولُ إِلَى انْقِطَاعِ
وَذُلٍّ فِي الْحَيَاةِ بِغَيْرِ عِزٍّ وَفَقْرٍ ... لاَ يَئُولُ إِلَى اتِّسَاعِ
وَشُغْلٍ لَيْسَ يُعْقِبُهُ فَرَاغٌ ... وَسَعْيٌ دَائِمٌ مِنْ كُلِّ سَاعِ
وَحِرْصٍ لاَ يَزَالُ عَلَيْهِ عَبْدًا ... وَعَبْدُ الْحِرْصِ لَيْسَ بِذِي ارْتِفَاعِ.
571 - حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: قِيلَ لِرَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ: مَا الزُّهْدُ؟ قَالَ: وَاللَّهِ مَا هُوَ بِالتَّقَشُّفِ، وَلاَ بِخُشُونَةِ الْمَطْعَمِ، وَلَكِنَّهُ طَلْقُ النَّفْسِ عَنْ مَحْبُوبِ الشَّهْوَةِ.
572 - وَحَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَخْبَرَنِي مُوسَى بْنُ أَبِي عِمْرَانَ، وَكَانَ أَحَدَ الْعُلَمَاءِ قَالَ: قَدِمَ أَعْرَابِيٌّ الْمَدِينَةَ فَصَلَّى الْجُمُعَةَ، فَسَمِعَ الْخُطْبَةَ فَأَعْجَبَهُ مَا سَمِعَ، فَلَمَّا صَلَّى انْصَرَفَ إِلَى مَنْزِلِهِ، وَدَخَلَ الأَعْرَابِيُّ مَعَ مَنْ دَخَلَ، فَأُتِيَ بِطَعَامٍ، فَرَأَى مِنْ أَلْوَانِ الطَّعَامِ مَا لَمْ يُشْبِهْ مَا تَكَلَّمَ بِهِ، فَأَنْشَأَ يَقُولُ:
لَقَدْ رَابَنِي مِنْ أَهْلِ يَثْرِبَ أَنَّهُمْ ... يُهِمُّهُمُ تَقْوِيمُنَا وَهُمُ عُصْلُ
وَذَمُّوا لَنَا الدُّنْيَا وَهُمْ يَرْضَعُونَهَا ... أَفَاوِيقَ حَتَّى مَا يَدِرُّ بِهَا ثُعْلُ
إِذَا رَكِبُوا الأَعْوَادَ قَالُوا فَأَحْسَنُوا ... وَلَكِنَّ حُسْنَ الْقَوْلِ يُفْسِدُهُ الْفِعْلُ.
573 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ الْوَرْكَانِيُّ، حَدَّثَنَا مُعَمَّرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَوْسَجَةَ، أَنَّ أَبَا الدَّرْدَاءِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا، وَلَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا، وَلَهَانَتْ عَلَيْكُمُ الدُّنْيَا، وَلَآثَرْتُمُ الْآخِرَةَ ثُمَّ قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ: لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَخَرَجْتُمْ إِلَى الصُّعُدَاتِ تَبْكُونَ عَلَى أَنْفُسِكُمْ، وَلَتَرَكْتُمْ أَمْوَالَكُمْ لاَ حَارِسَ لَهَا، وَلاَ رَاجِعَ إِلَيْهَا، إِلَّا مَا لاَ بُدَّ لَكُمْ مِنْهُ، وَلَكِنْ يَغِيبُ عَنْ قُلُوبِكُمْ ذِكْرُ الْآخِرَةِ، وَحَضَرَهَا الأَمَلُ فَصَارَتِ الدُّنْيَا أَمْلِكَ بِأَعْمَالِكُمْ، وَصِرْتُمْ كَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ، فَبَعْضُكُمْ شَرٌّ مِنَ الْبَهَائِمِ الَّتِي لاَ تَدَعُ هَوَاهَا مَخَافَةً مِمَّا فِي عَاقِبَتِهِ،

الصفحة 585