كتاب ذم الدنيا لابن أبي الدنيا - ط أطلس الخضراء = مقابل

فَإِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأْتُونَا فَلَنُبَيِّنُ لَكُمْ وَلِنُرِيَكُمْ مِنَ النُّورِ مَا تَطْمَئِنُّ إِلَيْهِ قُلُوبُكُمْ، وَاللَّهِ مَا أَنْتُمْ بِالْمَنْقُوصَةِ عُقُولُكُمْ فَنَعْذِرَكُمْ، إِنَّكُمْ لَتُبَيِّنُونَ صَوَابَ الرَّأْيِ فِي دُنْيَاكُمْ، وَتَأْخُذُونَ بِالْحَزْمِ فِي أَمْرِكُمُ، مَا لَكُمْ تَفْرَحُونَ بِالْيَسِيرِ مِنَ الدُّنْيَا تُصِيبُونَهُ؟ وَتَحْزَنُونَ عَلَى الْيَسِيرِ مِنْهَا يَفُوتُكُمْ؟ حَتَّى يَتَبَيَّنَ ذَلِكَ فِي وُجُوهِكُمْ، وَيَظْهَرَ عَلَى أَلْسِنَتِكُمْ، وَتُسَمُّونَهَا الْمَصَائِبَ، وَتُقِيمُونَ فِيهَا الْمَآتِمَ، وَعَامَّتُكُمْ قَدْ تَرَكُوا كَثِيرًا مِنْ دِينِهِمْ بِمَا لاَ يَتَبَيَّنُ ذَلِكَ فِي وُجُوهِكُمْ، وَلاَ يَتَغَيَّرُ حَالُكُمْ، إِنِّي لَأَرَى اللَّهَ قَدْ تَبَرَّأَ مِنْكُمْ، يَلْقَى بَعْضُكُمْ بَعْضًا بِالسُّرُورِ، وَكُلُّكُمْ يَكْرَهُ أَنْ يَسْتَقْبِلَ صَاحِبَهُ بِمَا يَكْرَهُ مَخَافَةَ أَنْ يَسْتَقْبِلَهُ صَاحِبُهُ بِمِثْلِهِ، فَأَصْبَحْتُمْ عَلَى الْغِلِّ، وَنَبَتَتْ مَرَاعِيكُمْ عَلَى الدِّمَنِ، وَتَصَافَيْتُمْ عَلَى رَفْضِ الأَجَلِ، لَوَدِدْتُ أَنَّ اللَّهَ أَرَاحَنِي مِنْكُمْ، وَأَلْحَقَنِي بِمَنْ أُحِبُّ رُؤْيَتَهُ، وَلَوْ كَانَ حَيًّا لَمْ يُصَابِرْكُمْ، فَإِنْ كَانَ فِيكُمْ خَيْرٌ أَسْمَعْتُكُمْ، وَإِنْ تَطْلُبُوا مَا عِنْدَ اللَّهِ تَجِدُوهُ يَسِيرًا، وَبِاللَّهِ أَسْتَعِينُ عَلَى نَفْسِي وَعَلَيْكُمْ.
574 - حَدَّثَنِي هَارُونُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْإِمَامُ، حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُبَيْدَةَ، أَخْبَرَنِي أَخِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُبَيْدَةَ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، أَنَّ مُصْعَبَ بْنَ عُمَيْرٍ أَقْبَلَ وَعَلَيْهِ نَمِرَةٌ مَا تَكَادُ تُوَارِيهِ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ وَمَعَهُ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَلَمَّا رَأَوْهُ نَكَّسُوا، لَيْسَ عِنْدَهُمْ مَا يُعْطُونَهُ قَالَ: فَأَثْنَى عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْرًا قَالَ: فَسَلَّمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَقَدْ رَأَيْتُهُ عِنْدَ أَبَوَيْهِ، وَمَا فَتًى مِنْ فَتَيَانِ قُرَيْشٍ مِثْلَهُ، يُكْرِمَانِهِ وَيُنَعِّمَانِهِ، فَخَرَجَ مِنْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَنُصْرَةَ رَسُولِهِ، أَمَا إِنَّكُمْ لوتعلمون من الدنيا ما أعلم لاستراحت أنفسكم فيها أما إنه لاَ يَأْتِي عَلَيْكُمْ إِلَّا كَذَا حَتَّى تَفْتَحُوا فَارِسَ وَالرُّومَ، فَيَغْدُو أَحَدُكُمْ فِي حُلَّةٍ، وَيَرُوحُ فِي حُلَّةٍ، وَيُغْدَى عَلَيْكُمْ بِقَصْعَةٍ، وَيُرَاحُ عَلَيْكُمْ بِأُخْرَى.
575 - حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ، أَنَّهُ حَدَّثَ عَنْ حُلَيْسِيُّ الضُّبَعِيُّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: قَالَ لِي عِمْرَانُ بْنُ حِطَّانَ: إِنِّي لَعَالِمٌ بِخِلاَفِكَ، وَلَكِنْ عَلَى ذَلِكَ احْفَظْ ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي، فَقَالَ:
حَتَّى مَتَى تُسْقَى النُّفُوسُ بِكَأْسِهَا ... رَيْبَ الْمَنُونِ وَأَنْتَ لاَهٍ تَرْتَعُ
أَحْلاَمُ نَوْمٍ أَوْ كَظِلٍّ زَائِلٍ ... إِنَّ اللَّبِيبَ بِمِثْلِهَا لاَ يُخْدَعُ
فَتَزَوَّدَنْ مِنْ قَبْلِ يَوْمِكَ دَائِبًا ... أَمْ هَلْ لِغَيْرٍ لاَ أَبَا لَكَ تَجْمَعُ.

الصفحة 587