كتاب ذم الدنيا لابن أبي الدنيا - ط أطلس الخضراء = مقابل

598 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ الْحَنْظَلِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ يَزِيدَ بْنِ حُجْرِ ابْنُ بِنْتِ الأَوْزَاعِيِّ، حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: وَجَدْتُ فِي كُتُبِ جَدِّكَ الأَوْزَاعِيِّ بِخَطِّ يَدِهِ: ابْنَ آدَمَ اعْقلْ لِنَفْسِكَ وَبَادِرْ، فَقَدْ أُوتِيتَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ، وَاعْوِلْ كَعَوِيلِ الأَسِيرِ الْمُكَبَّلِ، وَلاَ تَجْعَلْ بَقِيَّةَ عُمُرِكَ لِلدُّنْيَا وَطَلَبِهَا فِي أَطْرَافِ الأَرْضِ، حَسْبُكَ مَا بَلَغَكَ مِنْهَا، سَتُسَلِّمُ طَائِعًا، وَتَعَزَّ بِيَوْمِ فَقْرِكَ وَفَاقَتِكَ، واسع في طلب الأمان فإنك في سفر إلى الموت يطرد بك نائما ويقظانا وَاذْكُرْ سَهَرَ أَهْلِ النَّارِ فِي خُلْدٍ أَبَدًا، وَتَخَوَّفْ أَنْ يُنْصَرَفَ بِكَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إِلَى النَّارِ، فَيَكُونُ ذَلِكَ آخِرَ الْعَهْدِ بِاللَّهِ، وَمُنْقَطَعَ الرَّجَاءِ، وَاذْكُرْ أَنَّكَ قَدْ رَاهَقْتَ الْغَايَةَ، وَإِنَّمَا بَقِيَ الرَّمَقُ، فَسَدِّدْ تَصَبُّرًا وَتَكَرُّمًا، وَارْغَبْ بِبَقِيَّةِ عُمُرِكَ أَنْ تُفْنِيهِ لِلدُّنْيَا، وَخُذْ مِنْهَا مَا يُوصِلُكَ لِآخِرَتِكَ، وَدَعْ مِنْهَا مَا يَشْغَلُكَ.
599 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ، أَنَّهُ حَدَّثَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْغَفَّارِ، قَالَ: كَتَبَ زُهَيْرُ بْنُ نُعَيْمٍ إِلَى أَبِي سَعِيدٍ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْغَفَّارِ: سَلاَمٌ عَلَيْكَ، فَإِنِّي أَحْمَدُ إِلَيْكَ اللَّهَ الَّذِي لاَ إِلَهُ إِلَّا هُوَ، وَأَوْصِي نَفْسِي وَإِيَّاكَ بِتَقْوَى اللَّهِ وَطَاعَتِهِ، وَالِانْتِهَاءِ إِلَى أَمْرِهِ فِي الْحَالاَتِ كُلِّهَا، فَإِنَّمَا الْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ، وَإِنَّمَا يُجْزَى كُلُّ قَوْمٍ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ، أَمَّا بَعْدُ، فَإِنِّي أَكْتُبُ إِلَيْكَ يَا ابْنَ أَخِ، وَأَنَا فِي عَافِيَةٍ وَمَسِيرٍ إِلَى الْمَوْتِ عَلَى أَيِّ الْحَالاَتِ، كَذَا مَحْفُوظٌ عَلَيْنَا مَا قَدَّمَتْ أَيْدِينَا، فَاللَّهَ اللَّهَ فِي نَفْسِكَ يَا ابْنَ أَخِ أَكْثِرِ الْفِكْرَةَ فِي مَصْرَعِ أَبِيكَ وَأُمِّكَ، وَابْعُدْ عَنْ فُضُولِ الدُّنْيَا، وَارْضَ مِنْهَا بِالْيَسِيرِ، فَإِنَّ عَامَّةَ الْغَفْلَةِ وَالنِّسْيَانِ فِي طَلَبِ فُضُولِ الدُّنْيَا، رَضَّانَا اللَّهُ وَإِيَّاكَ مِنْهَا بِالأَقَلِّ، وَرَزَقَنَا فِيهَا الْعَمَلَ الأَكْثَرَ لِدَارِ الْآخِرَةِ حَتَّى يُخْرِجَنَا وَإِيَّاكَ مِنْهَا وَهُوَ عَلَيْنَا غَيْرَ سَاخِطٍ، بِمَنِّهِ وَرَحْمَتِهِ، فَإِنَّهُ لاَ يَمُنُّ بِذَلِكَ غَيْرُهُ. وَإِنِ اسْتَطَعْتَ يَا ابْنَ أَخِ، فَلاَ تَنْسَ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لاَ نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ} .

الصفحة 593